احدث الإشعارات

ماهية النفس بين المفهوم الغربي وعلم النفس الإسلامي.

المقال يعيد تعريف النفس باعتبارها كيانًا متكاملًا من الروح والعقل والقلب والإرادة، منتقدًا غياب هذا التصور في علم النفس الغربي ومُقدّمًا النظرية النفسية الشاملة كإطار متكامل لفهم النفس وتزكيتها.

هل نعرف النفس فعلًا؟

كلنا نستخدم هذه الكلمة يوميًا: “نفسيتي تعبانة”، “جاهد نفسك”، “اطمئنت نفسه”…
لكن، هل نعرف ماذا تعني النفس؟ هل المقصود بها الدماغ؟ أم المشاعر؟ أم شيء أعمق من ذلك؟

هذا السؤال البسيط ظاهريًا، يخفي تحته أزمة معرفية كبيرة، لأننا لا يمكن أن نفهم الإنسان، أو نداويه، أو نربيه، أو نوجهه، إذا لم نعرف أولًا ما هي النفس؟

لماذا نبدأ بالسؤال عن النفس؟

في أي علم من العلوم، أول خطوة صحيحة هي تحديد “ما الذي ندرسه؟” وعندما نتحدث عن علم النفس، يفترض أن يكون هذا العلم معنيًا بدراسة النفس، لكن الحقيقة أن علم النفس كما ندرسه اليوم لا يقدم إجابة واضحة عن هذا السؤال.
ولذلك  جاءت النظرية النفسية الشاملة لتعيد الأمور إلى نصابها  لتبدأ من تعريف النفس، لا من قياس السلوك، لأنك إن بدأت من السلوك، دون أن تعرف “ما النفس التي صدر منها هذا السلوك؟”، ستضل الطريق منذ البداية.

كيف تَشّكل مفهوم النفس في الغرب؟

عندما نراجع تاريخ علم النفس الغربي، لا نجد تصورًا موحدًا للنفس، بل إنها كما يذكر الدكتور خالد الجابر في أكثر من لقاء أن علم النفس الغربي بُني بشكل أفقي وليس عمودي مما أدى إلى التراكم في مجالات بحثية متفرقة:
فحين اهتم الباحثون بالدماغ، ظهر علم النفس البيولوجي.
وحين راج الاهتمام بالسلوك، ولدت المدرسة السلوكية.
ثم جاء من ركز على الإدراك، فظهر علم النفس المعرفي.

وهكذا، تشكل علم النفس الغربي من موجات أكاديمية، كل موجة تنتج فرعًا، حتى صار علم النفس مقسمًا إلى “أبواب”، كل واحد منها يتناول زاوية من الإنسان، دون رؤية شاملة تربطها، وهكذا غابت الروح، واختزلت النفس إما في النشاط العصبي، أو في السلوك الظاهر، ومن الطبيعي أن تكون النتيجة رؤية مفككة للنفس. فالمدرسة السلوكية ترجع النفس إلى البيئة والتعلم، والمدرسة التحليلية ترجعها لصدمات الطفولة، والمدرسة المعرفية ترجعها للمعتقدات والتفكير، والمدرسة البيولوجية تختزلها في الدماغ والنواقل العصبية وجميعها فشلت في الإجابة على السؤال الجوهري: ما النفس؟ وكيف نصلحها؟(1) 

كيف قدم الإسلام تصورًا بديلًا؟ 

في التصور الإسلامي، النفس ليست كيانًا غامضًا، ولا شيئًا يمكن تجزئته،  بل هي محل التكليف، ومساحة الصراع بين الخير والشر، وهي جزء من الروح، تتفاعل فيها قوى أربع:
الروح: أصل الحياة، نفخة من أمر الله.
النفس: موطن الشهوة، والانفعال، والإرادة.
العقل: أداة الفهم والتمييز.
القلب: مركز الإيمان والبصيرة والتزكية.
هذه القوى تتكامل ولا تتناقض، وتتفاعل داخل كيان الإنسان، ولا يجوز النظر إليها كأنها جُزر منفصلة، ولهذا، فإن فهم النفس في الإسلام لا يهدف إلى ضبطها فقط، بل إلى تزكيتها وقيادتها نحو الطمأنينة.(1) 

النظرية النفسية الشاملة تعيد الأمور إلى نصابها.

من هذا المنطلق، طور الدكتور خالد الجابر النظرية النفسية الشاملة، وهذه النظرية لا تسير على مناهج الغرب، بل تعيد ترتيب الأسئلة من جديد: ما النفس؟ كيف تتشكل؟ لماذا تختلف النفوس؟ ما الذي يُصلح النفس؟ كيف نداوي اضطرابها؟
والنظرية مشروع علمي يعيد بناء علم النفس على أصول إسلامية، تقوم على:

  •  فهم النفس كوحدة متكاملة.
  • تفسير تشكلها عبر الفطرة والإرادة والبيئة.
  • تصنيف أحوالها من خلال منظور تكليفي ومعنوي.
  • تقديم نماذج تفسيرية تساعد في التربية والعلاج والفهم.

ما أثر هذا التصور على حياتنا؟

حين تتغير رؤيتك لماهية النفس، تتغير رؤيتك لكل شيء، فنخرج من ضيق الاختزالية إلى سعة وشمولية المنظور الإسلامي.
ففي العلاج لا تعود المشكلة فقط في كيمياء الدماغ، بل في ضعف الإرادة، أو فساد القلب، أو شهوة طاغية. في التربية لا نعيد برمجة الطفل فقط، بل نهذب نفسه، ونغرس في قلبه المعاني، ونوقظ فيه الفطرة. في بناء الذات لا نعيش لنحقق ذواتنا فقط، بل لنزكيها، ونسير بها نحو الله.(2) 

ختامًا: لنفهم أنفسنا من جديد.

إذا كانت النفس قد ضاعت بين التعريفات الغربية المتناثرة، واختزلت في الدماغ أو السلوك، فإن الإسلام يعيدها إلى أصلها  نفس مكلفة، مزكاة، مهيأة للعبودية.

فهل آن لنا أن نعيد اكتشاف أنفسنا من جديد؟
أن نقرأ أنفسنا من خلال الوحي لا المختبر؟
وأن نعود إلى قوله تعالى: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾؟
ونأخذ في الاعتبار قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾؟

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:
  1. بودكاست سكينة الحلقة 1 | لماذا علم النفس الإسلامي مع د. خالد بن حمد الجابر
  2. محاضرة تعريف بالنظرية النفسية الشاملة في علم النفس الإسلامي مع د.خالد بن حمد الجابر.

اترك تعليقاً

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً

ملخص سريع

المقال يعيد تعريف النفس باعتبارها كيانًا متكاملًا من الروح والعقل والقلب والإرادة، منتقدًا غياب هذا التصور في علم النفس الغربي ومُقدّمًا النظرية النفسية الشاملة كإطار متكامل لفهم النفس وتزكيتها.

إسهامات الكاتب الأخرى

المقال يشرح المجالات الخمسة التي من خلالها نفهم النفس ونتعامل مع مشاكلها، وفق رؤية النظرية النفسية الشاملة.

المقال يسلط الضوء على الاختزالية في علم النفس الغربي ويستعرض البديل الإسلامي كنموذج شامل ومتكامل لفهم النفس البشرية.

المقال يستعرض التكامل بين النفس والعقل والقلب والروح في المنظور الإسلامي، مقدمًا رؤية شمولية للإنسان مقارنة بالفلسفة الغربية

يناقش المقال سؤال طرحه الدكتور خالد: هل علم النفس الغربي يدرس النفس فعلا؟ ويبين كيف أن هذا العلم

موضوعات ذات صلة

المقال يعيد تعريف النفس باعتبارها كيانًا متكاملًا من الروح والعقل والقلب والإرادة، منتقدًا غياب هذا التصور في علم

المقال يعيد تعريف النفس باعتبارها كيانًا متكاملًا من الروح والعقل والقلب والإرادة، منتقدًا غياب هذا التصور في علم

المقال يعيد تعريف النفس باعتبارها كيانًا متكاملًا من الروح والعقل والقلب والإرادة، منتقدًا غياب هذا التصور في علم

مقالات ذات صلة

المقال يشرح المجالات الخمسة التي من خلالها نفهم النفس ونتعامل مع مشاكلها، وفق رؤية النظرية النفسية الشاملة.

إن رجوع الباحث إلى ثقافته ليمتح منها نظرياته، أو يطور بها أجوبته، أو يفيد بها مجتمعه لا تعني

في التصور الإسلامي، الإنسان ليس مخلوقًا وظيفيًّا فقط، بل كائن مكلف، مسؤول، مجازى على فعله، مخيّر بين الهدى

الدليل الحسي، مهما بلغت دقته، لا يمكن أن ينفرد أبدًا ببناء علم نفس قوي ومتماسك. ومن يتوهم أنه

إن مواجهة منصفة بين المنظور الغربي في تعامله مع النفس والذي يقتصر على معاني تقدير وإثبات وتحقيق الذات

المقال يعيد تعريف النفس باعتبارها كيانًا متكاملًا من الروح والعقل والقلب والإرادة، منتقدًا غياب هذا التصور في علم

Scroll to Top