احدث الإشعارات

ترجمة وتلخيص بحث: “الهيمنة الاستعمارية وعلم النفس: من الإغضاء لإبراز صيحات المهمشين في عصر ما بعد الاستعمار”.

تتبنى هذه الورقة البحثية إطارًا منهجيًا لتفكيك الاستعمار عبر استقصاء الأساليب التي تهيمن بها القوى الاستعمارية على علم النفس الأوروبي-الأمريكي، وتوضح الورقة كيف يُهمّش علم النفس الأوربي-الأمريكي أكثر من 356 مليون شاب من إجمالي سكان الهند البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة.

 المستخلص:

تتبنى هذه الورقة البحثية إطارًا منهجيًا لتفكيك الاستعمار عبر استقصاء الأساليب التي تهيمن بها القوى الاستعمارية على علم النفس الأوروبي-الأمريكي، وتوضح الورقة كيف يُهمّش علم النفس  الأوربي-الأمريكي أكثر من 356 مليون شاب من إجمالي سكان الهند البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة. وبالرغم من كون هذه الشريحة تمثّل أكبر مجموعة شبابية في العالم، لا يزال غض الطرف عن مشاكلهم وقصصهم أمرًا سائدًا في علم النفس الأوروبي-الأمريكي. وتستند هذه الورقة إلى زخم من الأبحاث المتواترة التي أجراها منظرو تفكيك منظومة الاستعمار، ومجموعة من الأبحاث الإثنوغرافية التي تفترض أن علم النفس الأوروبي الأمريكي يعيد صياغة الأشكال القديمة للإمبريالية والهيمنة الاستعمارية، خاصةً في سياقات العولمة النيوليبرالية. وتتناول الورقة البحثية بالتحليل:

(ا) الطرق والأساليب المتنوعة التي يتم بواسطتها تجاهل القيم والهويات الأصلية، والإغضاء عن تجارب الصحة العقلية للفئات المهمشة من خلال المعرفة النفسية الأورو-أمريكية لصالح هيمنة المنظومة الاستعمارية.

(ب) تجسيد العنف والاستغلال- القائمين على المنظومة الطبقية في المجتمع الهندي- للاستعمار الداخلي (المحلي) في العصر الحديث.

الكلمات المفتاحية:

coloniality, marginalized voices, identity, Indian youth, suffering, violence, caste, dalit

 

أولاً: الإطار النظري

المقدمة، وتشمل عدة نقاط أبرزها:

  •  ادِّعاء علم النفس الأوروبي تمثيل جميع أنواع علم النفس الأخرى؛ لاقتناص الحق في التحدث باسم غالبية البشر. وعلى الرغم من أنه ينتج أبحاثًا تمثل 5% فقط من سكان العالم، إلا أنه يزعم أنها تملك صلاحية التطبيق على 95% من باقي السكان
  • توضيح المشروع الذي يسعى له المؤلفان وما يمثلانه من قاعدة واسعة من نُخب مفكري دول بلدان الجنوب التي تحررت من الاستعمار الرسمي العسكري، ولكنها لا تزال ترتبط به من خلال الأدوات الثقافية ومناهج التفكير. ويستهدف هذا المشروع فك الارتباط وإنهائه بالاستعمار بكل أشكاله ومسمياته، وفي كل حالاته.
  • أشار المؤلفان لمصطلح (موروثات الاستعمار) واقترحا -كجزء من فك الارتباط بالاستعمار- طريقة للتخلص منها عن طريق إخضاع مفاهيمها البراقة (كالتقدم والحداثة والتنمية والتطور) للبحث والاستقصاء، مع رصد الطريقة التي خلفت بها النيوليبرالية والمفاهيم الغربية عن التنمية، أشكالًا مختلفة وجديدة من الاستعمار وعدم توازن القوى.
  •  خطورة تبني الدول القومية -التي تشكلت حديثًا في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية – لغة المستعمرين عن التنمية والتقدم العلمي. ويذهبان لأبعد من ذلك عندما يؤكدان أنه “لا حداثة بدون استعمار”، وأضافا أن أهم هذه الموروثات هي تشكك علماء النفس الهنود في فاعلية علم النفس المحلي الخاص بهم، منتقدين زعم زملائهم الهنود بأن علم النفس لا يتأثر بالجانب الثقافي، وأن العمليات النفسية موزعة و مُشتركة بين الثقافات الفرعية .
  • الحديث عن خطورة “الاستعمار الثاني” الذي يستعمر العقل والجسد على حد سواء، ويساعد على نقل وتعميم مفهوم الغرب الحديث من كيان جغرافي وزمني إلى إطار نفسي. فالغرب الآن يحتل كل مكان، وهو استعمار دائم ومستمر في الوجدان واللاوعي. كما أشارا لجهود علماء النفس الأفارقة في فك الارتباط بالاستعمار، والعمل على تدشين علم نفس إفريقي النزعة.

 أهداف الورقة البحثية:

  • استقصاء الدور الذي يلعبه علم النفس في تعزيز منظومة الإدارة الغربية للمعارف، وما يتضمنه ذلك من خطورة تحويل “الآخر” المنتمي لثقافات بلدان الجنوب إلى نسخة من مواطني المنظومة الغربية للمعارف في دول الشمال، أيضًا تستهدف الورقة البحثية الكشف عن مساهمة هذا التخصص في تعزيز مفهوم الهوية النيوليبرالية.
  • الكشف عن المناهج والآليات التي تقوم بصياغة تجارب الصحة العقلية والنفسية لدى المهمشين والمنبوذين في الهند، وكيف ساهمت الأجندة النيوليبرالية في تعزيز العنف المنبثق من النظام الطبقي الهندوسي، والذي تزداد وتيرته كلما ازدهرت العولمة النيوليبرالية، وكيف خلخلت هذه الأجندة حياة أفراد الطبقة الوسطى الحضريين، فضلًا عن  استغلالهم كعمالة “رخيصة الأجر” من قبل أوروبا وأمريكا.
  • البحث عن الخيوط المشتركة بين الأُطر المنهجية لمنهج الشعوب المحلية الفطري لاستهجان الاستعمار ورفضه، وبين منهج النخب الثقافية الرافضة للاستعمار في بلدان الجنوب المتمثل في كل من: فك الارتباط بالهيمنة الاستعمارية، وما بعد الهيمنة الاستعمارية.

أهمية الدراسة: 

  • تدشين علم نفس يركز على حياة المهمشين في بلدان الجنوب والسكان المحليين، ومجتمعات ما بعد الاستعمار، ويتضمن هذا المشروع بذلك على حد تعبير المؤلفان: فضح الأبعاد الخفية لعلم النفس.
  • توفير إمكانيات راديكالية في زعزعة استقرار الهيمنة الغربية وتصفية آثار الاستعمار، وبعبارة أدق إنهاء الهيمنة الاستعمارية في العلوم النفسية.
  • تبرز أهمية إنهاء ارتباط الاستعمار مع علم النفس كحاجة وجودية لإنتاج المعرفة، والتحرر من الافتراضات (النيوليبرالية) الاستعمارية المدمجة في علم النفس السائد، وتعزيز  إبستيمولوجيات وسياقات ومنهجيات وممارسات مناسبة للشعوب الأصلية.

مصطلحات الدراسة: 

  • يفرق المؤلفان بين مصطلحين مهمين وهما:
    الاستعمار (Colonialism): والذي يُشير إلى علاقة سياسية واقتصادية تُمنح فيها سيادة أمة أو شعب إلى قوة أمة أخرى، مما يجعل تلك الأمة إمبراطورية.
    المصطلح الآخر هو منظومة الهيمنة الاستعمارية (Coloniality): التي تشير إلى أنماط طويلة الأمد من القوة التي ظهرت نتيجة الاستعمار، ومازالت تُحدد أُطر الثقافة والعمل والعلاقات البَيْنية وإنتاج المعرفة.

وينبني على مناهضة الأوضاع المترتبة على هذين المصطلحين صك مصطلحين مضادين لهما وهما:

1-   Decoloniality (تفكيك منظومة الاستعمار ويمكن ترجمته): تصفية الهيمنة الاستعمارية(1)، ويركز على نقد المعرفة الغربية المهيمنة مع إبراز المعارف المحلية المهمشة، مثل إعادة تقييم المناهج التعليمية والنظريات النفسية

2- ومصطلح Decolonizing (إزالة الاستعمار، ويمكن ترجمته بفك الارتباط مع الاستعمار): ويركز على الخطوات العملية أكثر مثل إعادة الأرض للسكان الأصليين أو تغيير أسماء الشوارع وتعديل المناهج. يعبر المصطلحان الأخيران عن حركة واسعة تنشط بين نخب المفكرين والباحثين في الدول التي تحررت من الاستعمار التقليدي.

  • مصطلح Post-colonialism: ترجمته الشائعة؛ ما بعد الاستعمار، ونقترح ترجمته بمخلفات أو تركة الاستعمار، وهو إطار منهجي يقوم بدراسة التأثيرات المستمرة للاستعمار على الثقافات والمجتمعات حتى بعد الاستقلال السياسي ويركز على تحليل الأدب والثقافة وكيفية تشكُّل الهوية في ظل تلك التأثيرات.
  • مصطلح Global south : أي بلدان جنوب العالم أو بلدان الجنوب، ويشير المصطلح إلى فكرة سياسية تستهدف سكان وشعوب أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا وأوقيانوسيا، ويعبر مصطلح بلدان الجنوب، عن فضاء جغرافي ومشروع سياسي، يذكرنا دوماً أن الاستعمار لم يتوقف عندما تم استبدال أعلام الدول الأوروبية بأعلام الدول المستعمرَة.
  •  مصطلح الاستشراق المحلي او الداخلي، (self-Orientalizing): وهو أسوأ من الاستشراق التقليدي إذ يتحدث وينتقد فيه السكان الأصليون ثقافتهم وحضارتهم متبنين وجهة النظر الغربية، وهو أحد ثمار علم النفس الغربي التي ساهمت في تلميع وتزيين سلوكيات جديدة تتعلق بزيادة الذكاء العاطفي، والحزم، والمرونة، والإنتاجية، والتنظيم الذاتي، وتستغل الشركات ورش العمل الخاصة بالمهارات الناعمة والنمو النفسي لإنشاء عمال حازمين، واثقين، سعداء، ومستقلين ذاتيًا عندهم القدرة على تحمل عبء العمل مع العملاء الغربيين حتى ولو خالف ثقافاتهم المحلية.
    • مصطلح النيوليبرالية: ويعرفها هارفي بأنها نظرية تؤطر الإجراءات الاقتصادية السياسية في الدولة والتي تفترض أن رفاهة الإنسان يمكن تعزيزها على أفضل وجه عبر خلق أشكال جديدة من أنظمة الإدارة، والعمالة المتنقلة، واقتصاد مكاتب التوظيف المدعوم بالتكنولوجيا، يليه تعديل في الممارسات الاجتماعية والنفسية في مجالات الأسرة والعمل والمجتمع،  تؤكد على الفردانية، والمنافسة، وتحرير السوق، وتقليص دور الدولة. 
  • الهوية النيوليبرالية: وهي ما يضطلع علم النفس السائد بتكوينها حيث يعرف شوجرمان علم النفس السائد أنه نيوليبرالي النزعة، يتعامل مع الإنسان كمجموعة من الموارد النفسية والمهارات والسمات يجب إدارتها والحفاظ عليها وتطويرها ومعاملتها باعتبارها مشاريع استثمارية، وتنظر للفرد كمنتج قائم بذاته، مسؤول عن نجاحه أو فشله، ويعتمد على مهاراته وقدراته في سوق تنافسية، هذه الهوية تُعزز فكرة أن الفرد هو رأسمالي لنفسه، ويجب أن يستثمر في ذاته (مثل التعليم، الصحة، المهارات) لتحقيق النجاح،  مما يعزز الفردية ويقلل من أهمية العوامل الاجتماعية أو الاقتصادية الأوسع.
  • (Dalit) الداليت: هو مصطلح يُستخدم في الهند للإشارة إلى الأفراد الذين ينتمون إلى الطبقات الاجتماعية الدنيا، والتي تُعرف تاريخيًا باسم “الطبقات المنبوذة” (Untouchables). يعتبر الداليتيون جزءًا من النظام الطبقي في الهند، الذي يقوم بتقسيم المجتمع إلى طبقات مختلفة، حيث يحتل الداليتيون أدنى مرتبة.

ثانيًا: الإطار المنهجي:

  يستعين المؤلفان بخمس دراسات لتحليل السياق الذي شكل الهوية في الهند لصالح الإرث الاستعماري، الذي يصور دائمًا المعرفة الأوروبية متفوقة وحاكمة على عملية إنتاج المعرفة. 

الدراسة الأولى (دراسة اثنوغرافية):

  • بعنوان الهوية المتطورة بين اللهجات واللغة، وبين هيمنة المنظومة الاستعمارية لعلم النفس الأمريكي-الأوربي:  وهي دراسة اثنوغرافية معمقة أجريت في بونا بالهند، وصف العينة: عينة من الشباب ينتمون إلى ثلاث فئات اجتماعية مختلفة: (فئة من الشباب تنتمي لطبقة النخبة، وفئة تنتمي للطبقة الوسطى، وفئة تنتمي للطبقة العاملة)، استعرض المؤلفان في هذه الورقة البحثية الأهداف والنتائج التي تخص فئة الشباب من الطبقة الوسطى الذين يعملون في الصناعات الواعدة، مثل: تكنولوجيا المعلومات، ومعالجة أعمال المكاتب، ومراكز الاتصال.

الأهداف:

  • الكشف عن كيفية استغلال علم النفس عبر الثقافي، واختبارات الشخصية النفسية، ولغة التحفيز لحث العاملين الشباب على التكيف والاندماج في الممارسات الثقافية العالمية، التي تُوصف بشكل صريح بأنها أورو-أمريكية.
  • تحليل الأسلوب الذي يعيد به علم النفس صياغة الأشكال القديمة من الإمبريالية للسيطرة والتحكم، من خلال السياق النيوليبرالي للعولمة.

 النتائج: 

  • قيام اختبارات الشخصية والأدلة التشخيصية والتصنيفات النفسية، بدور خطير في برمجة الإنسان واستنساخه وفق المعايير الغربية، على سبيل المثال يتم من خلال تقديم الدورات وورش العمل التي بعنوان تنمية المهارات برمجة المتدربين لتتوافق أفكارهم وسلوكياتهم مع تقنيات الإدارة المؤسسية وأهداف أصحاب العمل.
  • مساهمة الإجراءات النيوليبرالية ومكاتب التعهيد (التوظيف الخارجي) في تشكيل هويات الشباب الحضري الناطقين بالإنجليزية من الطبقة المتوسطة، حيث يخضع العاملون في مراكز الاتصالات الهندية لساعات من التدريب على التخفف من اللهجة، وأسلوب التواصل، وتعديل الصوت وتطوير الشخصية، وما إلى ذلك ويتحمل العامل الهندي في خدمة العملاء عبء إظهار الحميمية في المحادثات مع العملاء الغربيين.
  • وأظهرت النتائج أن أحد أسوأ التحديات التي تواجه العاملين في مراكز الاتصالات هو التعرض للإساءات العنصرية والإهانات التي يوجهها العملاء الغربيون لهم.
  •  يعتمد الاتجاه الجديد في الاقتصاد النيوليبرالي على علماء علم النفس التنظيمي (الإداري) ومدربي علم النفس عبر الثقافي، لتنمية الهوية النيوليبرالية لدى الموظفين، لكي تتوحد وتتوافق مع أهداف المؤسسات والشركات، ويتعامل علم النفس التنظيمي مع الإنسان كمجموعة من الموارد النفسية والمهارات والسمات يجب إدارتها، والحفاظ عليها وتطويرها ومعاملتها باعتبارها مشاريع استثمارية، كما يتم اعتبار الأفراد مواضيع تزداد قيمتها من خلال التعليم والحصول على المؤهلات، وتُقدر قيمة الإنسان من خلال مفردات عالم الإدارة والأداء مثل الرضا والإنتاجية والفعالية والمهارات، وتحقيق الأهداف والمخاطر والتواصل.
  •  إجبار الموظفين الهنود على القيام بـ “إثبات الجدارة الوظيفية” (2)حيث يسير التعامل مع العملاء الغربيين على مستويين:
    الأول:على الموظفين الهنود الظهور أمام عملائهم الغربيين كرعايا مستعمرات شرعية يكنون الإعجاب بالغرب ولا يشكلون تهديدًا لوظائف الغربيين.
    الثاني: أن يصبح الموظفين الهنود نسخًا ثقافية غربية حتى يتمكنوا من إقامة عملية تواصل مريحة وعلاقة متآلفة مع عملائهم الغربيين.
  • تعد تعلم لغة المستعمر (المفردات، تعديل اللكنات، التخفف من اللهجات، العبارات والاستخدام المهني) أداة من أدوات الهيمنة الاستعمارية وخلق أشكال جديدة من الهوية النيوليبرالية، التي تعطي أهمية كبيرة للفردانية، على حساب الاعتبارات الاجتماعية والأعراف المحلية.

الدراسة الاثنوغرافية الثانية:  مضاف إليها وثائق سمعية بصرية: 

العنوان: (دور المعرفة النفسية والطب النفسي الأمريكي الأوروبي في أعمال الشغب بعد جودرا في جوجارات).  وصف الواقعة: في عام 2002، وقعت ولاية جوجارات بغرب الهند في قبضة العنف الطائفي بين الهندوس والمسلمين لعدة أشهر، وأدى العنف إلى مقتل 59 شخصًا، بينهم 12 طفلًا و26 امرأةً. كان الركاب الذين نفقوا من المتعبدين الهندوس، وراجت مزاعم أن الجناة مجموعة من المسلمين. كنتيجة لذلك، بدأت المشاعر الطائفية تتصاعد، وتعرض المسلمون على إثرها لهجمات عنيفة من قبل حشود هندوسية. ووفقًا لهاشمي (2007)، قُتل حوالي 2000 مسلمٍ وفُقد حوالي 2500 منهم آخرين. وكانت بعض الأفعال الوحشية للعنف التي تعرضت لها الجالية المسلمة تشمل الاغتصاب، وتمزيق بطون النساء الحوامل بالسيوف، وحرق الأطفال أحياءً.

 الهدف: الكشف عن ردود الفعل على الخبرات الصادمة والمعاناة الاجتماعية، ومدى التعافي بين الأطفال وعائلاتهم الذين نجوا من عنف سياسي وديني شديد.

 النتائج: 

  • خطورة مبدأ الحياد العلاجي، حيث التزمت جماعة الصحة النفسية الصمت عن أحداث ولاية جوجارات خوفًا من الإخلال بمبدأ الحياد العلاجي، الذي تنبع فكرته التقليدية من التحليل النفسي الفرويدي، حيث يتخذ المعالج موقفاً حيادياً، الذي يُعد في واقع الأمر نفيًا للمسؤولية المهنية، وحريٌّ بهذا المبدأ أن يُدعى بمبدأ اللامبالاة.
  • إغفال دور الروحانيات والصلاة وغيرها من أشكال الشفاء المرتبطة بالثقافة المحلية، حيث تُعتبر أشكالًا غير علمية من التكيف النفسي.
  • إن فهم الشفاء والتعافي للناجين من العنف السياسي والطائفي يتطلب الانتباه إلى معيشتهم، وتأثير مشاعر الإقصاء والفقر والنوع ومستوى التعليم، إضافةً إلى أثر ممارسة العنف على الهوية العرقية أو الدينية للناجين، وإمكانية حصول أبنائهم على التعليم.
  • كشفت شهادات الناجين أن معاناتهم في سياق ما بعد الكارثة ليست تجليات للمرض العقلي، أو أعراض كرب ما بعد الصدمة كما يزعم الطب النفسي الأورو-أمريكي، بل يجب أن نفهم أن معاناتهم الشخصية والاجتماعية نابعة من الاضطراب الناتج عن العنف السياسي ولامبالاة الدولة.

مجموعة الثلاث دراسات الأخيرة:

الهدف منها: 

  • الكشف عن مزاعم الأجندة النيوليبرالية بخصوص تنمية وتعزيز الصحة العقلية، وكذلك الكشف عن دورها في تعزيز العنف القائم على الطبقات الاجتماعية وخلخلة حياة مجتمعات الداليت والطبقة العاملة في الهند.
  • تفكيك المنطق الكامن خلف الافتراضات التي تُصدِّر المعرفة النفسية والطب النفسي في بلدان الجنوب.
  • الكشف عن الأشكال المبطنة من هيمنة المنظومة الاستعمارية التي تُفرز الاضطهاد والمعاناة الاجتماعية في السياقات المحلية.

النتائج: 

  • وعود العولمة النيوليبرالية بحياة برَّاقة -من خلال تحقيق أنماط الحياة الحديثة- مبطَّنة بالفردانية المتطرفة (أي: يجب على الفرد بدلًا من الدولة تحمل مسؤولية بقائه وصحته أو رفاهيته) ومصحوبة بداروينية اجتماعية (أي: اعتبار التفاوت الاجتماعي والاقتصادي ظاهرة طبيعية؛ لأن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للفرد نتيجة لأفعاله ومهاراته).
  • فضح أسطورة تبشير السوق النيوليبرالي وقوى العولمة بالمساواة بين الطبقات ويضيف المؤلفان: إن السوق ليس محايدًا، حيث تستند العلاقات السوقية إلى الاستغلال وعدم المساواة بين الطبقات، فبدلًا من نبذ التمييز الطبقي ومعاملة الأفراد كعملاء اقتصاديين وحسب، يتقاضى الداليت أجورًا متدنيةً ويُجبرون على العمل في وظائف شاقة. جوهر الأمر أن النيوليبرالية تعيد صياغة العقيدة الميتافيزيقية للهندوسية، حيث ازدهرت النخب أو الطبقات الاجتماعية والاقتصادية العليا في البيئة الاقتصادية الجديدة، وعزَّزت الداروينية الاجتماعية النظام الطبقي الذي يعاني المنبوذون من وطأته.
  • يُفاقم نظام الرعاية الصحية النفسية آلام الضحايا في هذه الأوضاع من خلال تصوير معاناتهم على أنها حالات فردية ومرض نفسي.
  •  تسهل النيوليبرالية باسم التنمية وتعزيز الصحة العقلية العنف القائم على الطبقات والمعاناة الاجتماعية لطبقة الداليت ومجموعات القبائل، المعروفة  بالأديفاسي.
  • يتجذَّر مفهوم  مركزية الذات(3) في الثقافة الأوربية، هذا المفهوم الذي لا يستطيع تفسير كثير من الأمراض النفسية أو فهم المعاناة في المجتمعات التي تتبنى وجهة نظر قائمة على الأعراف والمركزية الاجتماعية في العلاقات الإنسانية. ويرى هذا المنظور الاجتماعي، ضرورة الحفاظ على الاتصال والتناغم في العلاقات الاجتماعية، وأن احترام خصوصية الفرد ضمن الحدود الثقافية أمر حيوي لتحقيق إحساس متماسك بالذات والآخر. وتتعارض هذه الرؤية للذات مع مفهوم مركزية الذات الأوروبي والذي يُعتبر محدودًا للغاية وفرديًا وذريًا، حيث يتم التعامل مع “الذات” كمصدر أساس للسيطرة، والأهلية، والنمو، والرفاهة.

 

الخاتمة:

نتائج وضوابط(4)

يذكر المؤلفان أن هدفهم من هذا المقال هو تضمين سردتين:

  • الأولى: سردية فك الارتباط بالاستعمار -مع التسليم بأن الدراسات حول تفكيك منظومة الهيمنة الاستعمارية بحاجة إلى إجراء تحليل أعمق وأكثر تعقيدًا لمعرفة كيفية تداخل أشكال الاستعمار الأوروبي المدعومة برأسمالية نيوليبرالية.
  • الثانية: سردية انعدام المساواة والتفاوت القائم على النظام الطبقي في الهند، حيث غالبًا ما يتم تجاهل الانتقادات الموجهة للاستعمار الأوروبي، وغض الطرف عن عنف الاستعمار الداخلي والقمع الطبقي.

 تساءل المؤلفان حول ضوابط علم النفس كالتالي:

– ما نوع المعرفة التي تُعتبر علم نفس؟

– من الذي يُدرج ويُستبعد في هذا المجال؟

–  ما الذي يُعد معرفة صحيحة؟  ومَن يقرر ما هي المعرفة الصحيحة؟

–  والأهم من ذلك، من الذي تتم النيابة عنه؟ ومن الذي يتحكم في إنتاج المعرفة في علم النفس؟

  أوضح المؤلفان أنهما يقصدان بتصفية الاستعمار:

  • تثوير(5) مناهج البحث السائدة أو التقليدية من خلال توفير مساحة للفن، والمعرفة المجتمعية، والخبرات الحية، والمعرفة المحلية، وسرد روايات التاريخ الشفهي كمعرفة صحيحة، مع تحليل أسلوب علم النفس الأوروبي في الإغضاء عن التعقيد الطبقي للهويات في مجتمع ما بعد الاستعمار، إضافة إلى إغفال القيم والخبرات المحلية لكل من الشباب والناجين من الصراع السياسي في الهند

وأوردا ملخصًا لنتائج ورقتهم البحثية كالتالي:

  • أحد الأغراض الرئيسة لهذه الورقة البحثية هو إظهار كيف تواطأ علم النفس -سواء عن قصد أو غير قصد- في تعديل الهوية الهندية بواسطة السياق(6) النيوليبرالي لصالح المنظمات التجارية الهندية، وسياسات الدولة الاقتصادية، والحياة الاجتماعية. ويكتشف المدقق الذي يجابه الهيمنة الاستعمارية في علم النفس كيف أن التدريب النفسي -الذي يتلقاه مهندسو البرمجيات وموظفو مراكز الاتصال الهنود الناطقين بالإنجليزية من الطبقة الوسطى والعليا- يشير إلى أشكال جديدة من الإمبريالية الثقافية والنفسية التي راجت بسبب أرباح النيوليبرالية من الاستعانة بمكاتب التعهيد وتمدد الشركات العالمية.
  • إن التصورات حول تنوع الهويات والاختلاف العبر ثقافي داخل بيئة عمل الشركات الهندية -والتي تتعلق بتقديم تدريب على المهارات الناعمة(7) وخلق أنواع معينة من الشخصيات عبر زرع نمط معين من التفكير- هدفها النهائي هو تعظيم أرباح الشركات وخلق ثقافة مؤسسية جامحة قائمة على المنافسة والإنجاز الشخصي.
  • تم استعراض أمثلة من دراسات إثنوغرافية ونوعية لإظهار كيف أن السياسات الاقتصادية النيوليبرالية والإفراط في التشخيص الطبي والتصنيف النفسي السريع(8) يفاقم من معاناة المجتمع، سواء فيما يخص الناجين من العنف السياسي أو الأشخاص المهمشين.
  • فضلًا عما سبق، فإن الغالبية الساحقة من الباحثين في مجال الدراسات الإنسانية يحتاجون إلى توعية لفهم كيف أن المعرفة العنصرية والاستعمارية، متجذرة في أسس علم النفس، حيث تكشف النظرة المتفحصة لعلم النفس الأوروبي-الأمريكي عن أدلة مذهلة عن الطبيعة الإثنية ( العرقية) لعلم النفس وكيف تم تطبيق أشكال جديدة من الهيمنة الاستعمارية للمعرفة النفسية في بلدان الجنوب.
  • من خلال البحث والنظر في عولمة المعرفة الغربية، وكيف تم من خلالها توطيد هيمنة علم النفس ومفرداته في السياق الهندي، سيظهر لنا جانبًا من تجليات منظومة الهيمنة الاستعمارية في مجتمع ما بعد استعمار الهند.
  • يُعتقد أن مشروعاً بحثياً لا ينضوي تحت راية الاستعمار أمرٌ ملحٌ للوقوف على وسيلة هيمنة طبقة البراهمة التي دامت قرونًا جنبًا لجنب مع الاستعمار البريطاني في الهند مما أدى إلى تفاقم القمع القائم على التمييز الطبقي.
  • أوضح التحليل الخاص بالمعاناة المرتكزة على النظام الطبقي في الهند أن تغيير ديناميات القوة في كل من وضعيات الاستعمار الجيوسياسية والاستعمار الداخلي المحلي تعني إعطاء الأولوية لحقوق المجموعات التي تم قمعها وإبعادها وتهميشها. جملة القول أننا نحتاج إلى علم نفس جديد غير مرتبط بالاستعمار(9)، يتناول بالدراسة والتحليل ما يحدث في بلدان الجنوب من: ظلم اقتصادي، وتمييز عرقي، وترسيخ عنصرية النظام الطبقي، وتغير المناخ، وعدم المساواة، والفقر على مستوى العالم.

وأخيرًا، حريٌ بعلماء النفس في جميع أنحاء العالم أن يبدأوا في الانخراط في عملية مراجعة للذات، لنيل التحرر من تحيزات المعرفة العنصرية الاستعمارية، كما يتعين عليهم إنهاء الارتباط بالاستعمار في المعرفة والسلطة إذا كانوا راغبين في تحرير سائر المجتمع (تحقيق العدالة والمساواة)، وخاصة للمستبعدين والمهمشين.

 

 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. نحت مفردات هذه المفاهيم من اقتراح المترجمتين لهذا نضع اختيارات
  2. authenticity work
  3. أي أن الفرد هو محور الاهتمام والعلاج والتأهيل والإصلاح وليس المجتمع، الذي يتم التعامل بشكل عرضي وليس مقصود.
  4. Limitations
  5.  disrupting
  6. discourse
  7. Soft skills training مهارات مثل التواصل الفعال، العمل الجماعي، القيادة، وإدارة الوقت ضرورية لتحسين أداء الموظفين وتعزيز التفاعل بينهم
  8. Rapid psychologization الميل لتفسير سلوك أو مواقف معينة بسرعة من منظور نفسي، بشكل مبسط أو مفرط، دون النظر للعوامل الاجتماعية أو الثقافية
  9.  New decolonized psychology يمكن ترجمتها لعلم نفس جديد مناهض للاستعمار

 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Coloniality and Psychology: From Silencing to Re-Centering Marginalized Voices in Postcolonial Times

تأليف: Sunil Bhatia | Kumar Ravi Priya

:ترجمة وتلخيص

خلود حسان| باحثة في سلك الدكتوراة- جامعة عين شمس

إسراء نزار| ليسانس ترجمة فورية- جامعة الأزهر

ملخص سريع

تتبنى هذه الورقة البحثية إطارًا منهجيًا لتفكيك الاستعمار عبر استقصاء الأساليب التي تهيمن بها القوى الاستعمارية على علم النفس الأوروبي-الأمريكي، وتوضح الورقة كيف يُهمّش علم النفس الأوربي-الأمريكي أكثر من 356 مليون شاب من إجمالي سكان الهند البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة.

إسهامات الكاتب الأخرى

إن الإصرار على تقديم "الإنسان الغربي" كمقياس معياري للطبيعة البشرية يُعدّ فرضية لا علمية، تتجاهل المعطيات العلمية والثقافية

تستثمر الباحثة النقد الغربي لعلم النفس لتناقش الإمكانية المعرفية لتأسيس علم نفس إسلامي يستمد مرجعيته من الوحي، مع

تتبنى هذه الورقة البحثية إطارًا منهجيًا لتفكيك الاستعمار عبر استقصاء الأساليب التي تهيمن بها القوى الاستعمارية على علم

رغم أن علم النفس الغربي هو المسيطر أكاديميًا، إلا أن هناك نقدًا قويًا من داخل الغرب نفسه، سواء

موضوعات ذات صلة

تتبنى هذه الورقة البحثية إطارًا منهجيًا لتفكيك الاستعمار عبر استقصاء الأساليب التي تهيمن بها القوى الاستعمارية على علم

تتبنى هذه الورقة البحثية إطارًا منهجيًا لتفكيك الاستعمار عبر استقصاء الأساليب التي تهيمن بها القوى الاستعمارية على علم

تتبنى هذه الورقة البحثية إطارًا منهجيًا لتفكيك الاستعمار عبر استقصاء الأساليب التي تهيمن بها القوى الاستعمارية على علم

النشرة البريدية

مركز بحثي يُعنى بقضـــــــــــــــــايا الفكر والواقع، ويرفد الساحة الثقافية العربيّة بمعالجــــــــــــــــــات بحثيّة رصــــــــــينة، يسعى المركز الساحة الثقافية العربيّة

ترجمات ذات صلة

إن الإصرار على تقديم "الإنسان الغربي" كمقياس معياري للطبيعة البشرية يُعدّ فرضية لا علمية، تتجاهل المعطيات العلمية والثقافية

تستثمر الباحثة النقد الغربي لعلم النفس لتناقش الإمكانية المعرفية لتأسيس علم نفس إسلامي يستمد مرجعيته من الوحي، مع

تتبنى هذه الورقة البحثية إطارًا منهجيًا لتفكيك الاستعمار عبر استقصاء الأساليب التي تهيمن بها القوى الاستعمارية على علم

رغم أن علم النفس الغربي هو المسيطر أكاديميًا، إلا أن هناك نقدًا قويًا من داخل الغرب نفسه، سواء

Scroll to Top