نعم هذه المسألة مشهورة، مسألة: هل النفس تميل أكثر للشر أم إلى الخير؟ هل الأصل فيها الخير الأصل فيها الشر؟
وهي مسألة معروفة قديمًا وحديثًا. وحديثًا، مثلًا: هناك نظريات وفلاسفة يرون أن الإنسان يولد شريرًا غرائزيًا عدوانيًا مثل: فرويد التحليلية، وبعض المدارس الوجودية Friedrich Nietzsche وآخرين كثيرين يرون أن الإنسان يولد شريرًا.
وهناك المدرسة السلوكية التطورية يرون أن الإنسان يولد صفحة بيضاء (blank Slate)، أنه يولد صفحة بيضاء صفر، صفر من كل شيء، ثم مع الوقت بحسب التعلم -نظرية التعلم-، ما الذي يكتسبه يعني بحسب الاكتساب، التعلم هو الاكتساب، مفهوم الاكتساب القديم هو نفسه التعلم الحديث لكن نظرية التعلم الحديث نسخة خاصة من نظريات الاكتساب.
أما المسلمون ما عندهم هذا، عند المسلمين قولان مشهوران:
القول الأول: أن الإنسان يولد خيرًا، ويستدلون بحديث الفطرة، ويرون أن الفطرة تعني الخيرية التامة.
والقول الثاني: يرون أن الإنسان يولد محايدًا، قابلًا لهذا وقابلًا لهذا.
والمسألة المشهورة التي قالها ابن عبد البر -رحمه الله- وحصل بينه وبين ابن تيمية نقاش في هذه المسألة، والخلاصة: أن الصحيح هو قول ثالث مركب من هذين القولين، وهو: أن الناس يولدون متساوين في الفطرة، متفاوتين في الطباع.
بمعنى أن هناك حد أدنى من الخيرية موجود عند كل الناس وهو الفطرة، والفطرة هي أداة معيارية، أو قوة جعلها الله سبحانه وتعالى تدع الإنسان يعرف الحق ويعرف الباطل، ويميل إلى الحق وينفر من الباطل، يعرف الخير ويميل إلى الخير ويعرف الشر وينفر من الشر، هذه قوة فطرية جعلها الله في البشر، والناس كلهم متساوين فيها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كل مولود يولد على الفطرة”.
لكن أيضًا الناس يولدون متفاوتين في الطباع، والطباع باب واسع، مفهوم واسع يشمل أشياء كثيرة، فالناس مثلًا يولدون متفاوتين في الحدة وفي الهدوء واللين، متفاوتين في الذكاء والغباء، متفاوتين في الشجاعة والجبن، وهذا واضح طبعًا، أي أحد عنده أبناء يعرف هذا.
ولذلك من العبارات المشهورة في نقد السلوكيين يقولون: يبدو أن علماء السلوكيين ليس عندهم أبناء؛ لأنه السلوكيين يقولون إن الأبناء يولدون متساوين صفر (blank Slate – صفحة بيضاء)، لكن الواقع أي أحد عنده أبناء يعرف أن أبناءه نفسهم يولدون متفاوتين في الطباع، وفي الحدة، وفي الأخلاق، وأيضًا يولدون متفاوتين في درجة الميل إلى الخير ودرجة الميل إلى الشر.
بمعنى أن أصل وجود الخير والشر الناس متساوية فيها، لكن درجة الميل إلى الخير ودرجة الميل للشر يتفاوت الناس فيها، وهذا واضح، مثلًا تجد أبناءك البيت واحد، التربية الدينية واحدة، ومع ذلك بعضهم يميل أكثر إلى الدين وبعضهم ينفر من الدين.
فهذا القول هو الصحيح إن شاء الله، والوسط الذي يجمع بين النصوص كاملة والواقع، وأرجو إن شاء الله أن يكون هو الصحيح.
***************