سؤال طيب، وأظن هو مر معنا في برنامج المدخل. وعمومًا هو يحمل – فيما يظهر لي هنا – ثلاثة مسائل: الأولى، مصطلح الناقد الداخلي؛ ثم المسألة الثانية: مسألة حديث النفس والمنظور الإسلامي فيه؛ ثم المسألة الثالثة: الأدوية والمكونات المادية هل يمكن أن تعمل على النفس أو لا؟ سنأخذها واحدة واحدة.
المسألة الأولى وهي: مصطلح الناقد الداخلي.
مصطلح الناقد الداخلي هو من المصطلحات النفسية الحديثة في الأدبيات الغربية، ويقصدون به في العادة: الصوت الداخلي الذي يوجه اللوم أو النقد القاسي للذات، وقد يتحول إلى ما يسمونه جلد النفس، وأحيانًا يعبرون عنه بمشاعر الذنب والخزي إلى آخره. واللافت للنظر أن المدارس الغربية في علم النفس تهتم كثيرًا لهذا النوع تحديدًا من أنواع الأصوات الداخلية (الصوت الناقد)، ويركزون على أثره السلبي في تكوين الاضطرابات النفسية، أكثر من اهتمامهم مثلًا بدراسة الشهوات أو الشبهات أو دراسة أنواع أخرى من حديث النفس أو من الخواطر النفسية.
وهذا واضح طبعًا لأنه تابع لفهمهم للنفس، فهمهم لطبيعة التعامل مع النفس، هم يرون أن صلاح النفس يكون بأخذ الفلسفة الإنسانوية التي هي تعظيم النفس وتقدير النفس وعدم لومها، يعني هم يعاندون الأديان بهذا الخطاب، لأن خطاب الأديان في العادة _كل الأديان، وحتى الثقافات الشرقية الوثنية_ تدور حول مجاهدة النفس ورياضة النفس إلى آخره، هم لأ، هم العكس تمامًا.
لذلك نحن في علم النفس الإسلامي ننبه إلى خطورة المبالغة في التركيز على هذا الناقد الداخلي؛ دون الانتباه إلى سائر أنواع حديث النفس الأخرى التي قد تكون في المنظور الإسلامي أكثر خطرًا وتأثيرًا مثل: الشهوات، والشبهات، والوساوس العقدية، إلى آخره.
المسألة الثانية هي: مسألة حديث النفس عمومًا، الذي قد يكون الناقد الداخلي هو أحدها.
مصطلح حديث النفس هو مصطلح إسلامي، ورد في السنة بهذا اللفظ، وورد في القرآن بلفظ وسوسة النفس: (ما توسوس به نفسه)، وهو في المنظور الإسلامي يشمل كل الخطابات الداخلية بين الإنسان ونفسه، وهو أنواع كثيرة: خواطر عقلية، وساوس، تمنيات، أماني، حوارات داخلية، هواجيس، إلخ.
وحديث النفس في المنظور الإسلامي، له ثلاثة مصادر لا يتعداها وهي: إما من النفس، أو من الشيطان، أو من الملك .وكل هذه ورد فيها نصوص واضحة يعني وصريحة.
لكن من الناحية العملية، التمييز العملي بين هذه المصادر الثلاثة، صعب على الإنسان نفسه، يعني صعب إن الإنسان يعرف هذا الخاطر هو من النفس أو من الشيطان أو من الملك. بعض علماء الصوفية تكلموا عن التمييز بين الخاطر الشيطاني والخطار الملكي إلى آخره، لكنها اجتهادات غير منضبطة في نظري؛ صعبة التطبيق. ولذلك من الناحية العملية نحن نرجع جميع هذه الأصوات إلى النفس مع أننا نستحضر أن الشيطان والملك له دور.
والنفس في المنظور الإسلامي تتحدث كثيرًا، وتتقلب في حديثها بين الخير والشر، والحق والباطل، والشهوة المباحة والشهوة المحرمة، تحب وتكره، تشتهي وتعرض، تطلب، وتزهد، تتردد، وتطمئن، تشك، وتوقن، يعني كل هذا ورد في القرآن كثيرًا في الحديث عن النفس، مثلًا: إن النفس لأمارة بالسوء” “ما توسوس به نفسه” إلى آخره. والحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن للشيطان لمة، وللملك لمة”؛ فالشاهد إن النفس هي الوعاء الذي يصدر منه هذا كله، هو يستقبله ويصدر منه، يستقبله من الشيطان ومن الملك ومن الخارج، ثم يصدره، وهذا يعني أن ما يصدر من النفس هو نتيجة تراكمية لما غُرس فيها، وتربت عليه، وتزكت به، أو ما أصابها من فساد واضطراب، فهو نتيجة تراكمية يعني للبناء النفسي.
في المنظور الغربي: حديث النفس أو حوار النفس، يرد كثيرًا طبعًا في الخطابات الشعبية عمومًا، لكن في الأكاديميات، ما يستخدمون مثل هذه العبارة كثيرًا، سواء كان صوتًا إيجابيًا أو سلبيًا، هم يعتبرونه مجرد نشاط دماغي ضمن الـ Cognitive processes (العمليات المعرفية). هذا ما يمكن قوله فيما يتعلق بحديث النفس اختصارًا.
المسألة الثالثة: موضوع الأدوية والمركبات المادية، هل يمكن، أن تعمل على النفس؟
طبعًا ممكن أن تعمل، ممكن أن تغير بعض الأحوال الظاهرية، تخفف من أعراض القلق والاكتئاب. وعلينا أن لا نهتم ببعض كلام الفلاسفة الذين يقولون حجة فلسفية مرفوضة، فيقولون: كيف يمكن للجوهر المادي أن يؤثر على عنصر غير مادي؟ يعني هذا كلام مرفوض، نحن عندنا نص واضح وصريح في حديث التلبينة، وأصلًا في قواعد المنظور الإسلامي، لا يوجد ما يمنع أن المركب المادي يؤثر على النفس.
لكن تبقى عناصر تفصيلية كثيرة، يعني مثلًا: هل الأدوية تؤثر على جميع أحوال النفس وظواهر النفس؟ بمعنى إنه: هل يمكن استعمال الأدوية في تحسين الأخلاق مثلًا؟ أو زيادة التدين؟ أو أنها مختصرة على بعض الجوانب الانفعالية تحديدًا كالقلق والحزن.
المهم إنه هذه مسائل يعني تتضح أكثر مع الممارسة والتطبيق. لكن بكل الأحوال، حسب المنظور الإسلامي الأدوية أو المركبات المادية عمومًا، لا تغني عن جهاد النفس، وإصلاح النفس، وتزكية النفس.
والله أعلم.