من الفروق الرئيسة في تناول الموضوعات النفسيّة بين علم النفس الغربي وعلم النفس الإسلامي..
أن الغربيين إذا أردوا مناقشة هذه الموضوعات لا يستخدمون كلمة النفس!
فلا ينسبون إليها شيء، ولكن يربطون كل الأمور بالاعتقادات والقناعات..
مثل: اعتقادُك عن نفسك ضعيف، تصورك عن نفسك أنك عاجز .. وهكذا.
بينما طريقتنا في علم النفس الإسلامي أن نتعامل مع النفس مباشرة ..
نقول: نفسُك فيها ضعف، أو نفسك فيها خوف .. وهكذا.
وهذا الفرق المهم يجب التنبّه له، لأنه يؤثر في طريقة تناول الموضوعات والقضايا النفسيَّة، بل وطُرق علاجها..
حيث أن الاختلاف الجوهري في النظرة إلى “النفس” بين علم النفس الغربي الحديث، وبين علم النفس الإسلامي يمكن تلخيصه بما يلي:
أولًا: في علم النفس الغربي
الغربيون – بسبب تبنّيهم للمنظور المادي (Materialist paradigm) – لا يعترفون بوجود كيان اسمه “النفس” على أنه شيء مستقل له وجود حقيقي. هم لا يؤمنون بوجود كيان باطني له إرادة، ومحاسبة، وحرية، وهوى، ومحبة، وكراهية.
بل يفسّرون الإنسان من خلال الدماغ ووظائفه العصبية فقط، ويقولون: ما تسميه “نفسك” هو مجرد نشاط كهربي-كيميائي في الدماغ، ويظهر في شكل أفكار، مشاعر، وسلوك. ولهذا تجد كتبهم ومقالاتهم النفسية لا تستعمل عبارة: “نفسه خائفة” أو “نفسه ضعيفة”، بل يستعملون تعبيرات مثل: (اعتقادك أنك ضعيف، تفكيرك عن نفسك سلبي، تصورك عن ذاتك أنك عاجز، القناعة الذاتية لديك مشوشة)
كل شيء يُنسب إلى “الاعتقادات” و”التمثيلات الذهنية” (mental representations)، لا إلى كيان اسمه “النفس”.
—
ثانيًا: في علم النفس الإسلامي
المنظور الإسلامي يؤمن بوجود كيان حقيقي اسمه النفس، وأنه: (هو الذي يُحاسب ويُكلف، هو الذي يحب ويبغض، هو محل الخير والشر، وهو الذي يزكو أو يفسد).
فالنصوص القرآنية والحديثية مليئة بهذا المعنى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾ أي النفس، ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾، ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾، ﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾، ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ﴾.
ولذلك نقول نحن: نفسه ضعيفة، نفسه خائفة، نفسه فيها هوى، نفسه تحتاج تزكية، نفسه لا تتحمل الصبر… إلخ.
—
الفرق الجوهري:
الفرق ليس في اللغة فقط، بل في البرادايم (Paradigm) كله: الغربيون لا يرون النفس كيانًا قائمًا، بل يتعاملون مع أجزاء متفرقة: أفكار، سلوك، مشاعر، وكلها تُرد إلى وظائف الدماغ.
المسلمون – في المنظور الإسلامي – يتعاملون مع النفس كوحدة متكاملة، لها إرادة ومسؤولية، وهي مركز التكليف والتزكية.
—
أثر هذا الفرق
هذا الفرق يؤثر في:
- طريقة فهم المرض النفسي.
- أسلوب التفسير والتحليل.
- نوعية العلاج (هل أربي النفس؟ أم أُعيد برمجة التفكير؟).
- الأهداف النهائية (الراحة النفسية؟ أم التزكية والرشد؟).
فالمنظور الإسلامي يجعل النفس ذاتًا مسؤولة تحتاج إلى تربية وزكاة، أما المنظور الغربي فيجعل الإنسان مجرد نظام بيولوجي يحتاج إلى تعديل برمجي.