احدث الإشعارات

د. رشا نصر زيدان

تلخيص كتاب محاسبة النفس لابن أبي الدنيا.

تنبع أهمية هذا الكتاب في أنه يقدم للقارئ فرصة للتأمل الذاتي ومراجعة النفس بصدق وإخلاص، ويحفزه على الوقوف أمام ذاته ومحاسبتها على تقصيرها في السعي نحو الله.

القسم الأول: التعريف بالكتاب. 

معلومات الكتاب الأساسية: 

  • العنوان: محاسبة النفس.
  • المؤلف، المحقق:  للحافظ ابن أبي الدنيا، تحقيق مجدي السيد إبراهيم.
  • دار النشر:  مكتبة القرآن للطبع والنشر.
  • عدد الصفحات:  96 صفحة.
  • المجال: علم النفس.
  • النوع:  تزكية النفس (عام).

هدف الكتاب: 

الهدف الرئيسي للكتاب: محاسبة النفس وتزكيتها .

الأهداف الفرعية:  اتباع الكتاب والسنة والسلف في محاسبة النفس. 

 

القسم الثاني: تلخيص الكتاب. 

تقديم عام للكتاب: 

تنبع أهمية هذا الكتاب في أنه يقدم للقارئ فرصة للتأمل الذاتي ومراجعة النفس بصدق وإخلاص، ويحفزه على الوقوف أمام ذاته ومحاسبتها على تقصيرها في السعي نحو الله. يدعو المصنف القارئ إلى مواجهة الذات، والقيام بمراجعة شاملة للنفس كما يفعل المربي الحريص، مستندًا في ذلك إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: النَّبي صلَّي اللهُ عليه وسلمَّ قال: «الكيِّسُ مَنْ دَانَ نفْسَه، وعَمِلَ لما بعدَ الموْتِ، والعاجزُ مَنْ أتْبعَ نَفْسَه هواها، وتمنَّي علَي اللهِ»، يوضح المصنف مبوباً في ثلاثة أبواب كبيرة لكتابه، ويحتوي كل باب على عدة مواضيع، تدور حول كيفية القيام بمحاسبة النفس بأسلوب صادق وعملي، مدعومًا بالأدلة من القرآن والسنة، كما يستشهد بأقوال السلف الصالح وقصصهم لإلهام القارئ وتحفيزه. يسعى الكتاب لجعل القارئ يتساءل عن موقعه بين هؤلاء المحاسبين لأنفسهم. 

تلخيص مختصر لأبواب الكتاب/ أو مواضيعه: 

1) العاقل من يعمل للآخرة.

الفكرة الأساسية له: الاستعداد للموت ولقاء الله تعالى. 

الأفكار الفرعية المهمة التي يتضمنها: محاسبة الذات، وتقييم الفرد لأعماله.
إذا تذكر الشخص يوم الرحيل، والوقوف أمام الله سبحانه وتعالى، وقراءة صحيفته أمام الله تعالى، استعد لهذا اليوم، وقيم ذاته بدقة، إذ قال عمر ابن الخطاب: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا”، فينبغي ألا تمر ليلة دون أن يقيم الفرد أعمال يومه، فإذا وجد حسناً، شكر الله وسعى للمزيد، وإذا وجد غير ذلك، قيم ذاته واتخذ الإجراءات اللازمة لتحسينها. 

 

2) الخليفة المحاسب لنفسه. 

 الفكرة الأساسية له: البدء بمحاسبة النفس، بدءً من القائم على أمور المسلمين. 

الأفكار الفرعية المهمة التي يتضمنها: المؤمن يعاتب نفسه من الكلمة التي يتكلم بها، إلى مطعمه ومشربه 

قال تعالى: “كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ” (المدثر:38)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من رجلٍ يَسلُكُ طرِيقًا، يَطلُبُ فيه عِلْمًا إلَّا سَهَّلَ اللهُ لهُ طريقَ الجنةِ، ومَنْ أبْطأَ بهِ عملُهُ لمْ يُسرِعْ بهِ نَسبُهُ” (أخرجه أبو داود 3643)، فلا يغتر المؤمن بمكانته أو نسبه، فذلك لا يفيده في آخرته، بل عمله في الميزان، فإذا وجد خيرًا شكر الله، أو لا يلومن إلا نفسه، وهذا من عدل الله، فالله تعالى لا ينظر إلى صورنا، بل ينظر إلى قلوبنا، المفلح من أتى الله بقلب سليم، وكان من أهل الله وخاصته، وهم أهل القرآن والعلم المخلصين لله تعالى. 

 

3) خير الناس من يعظ نفسه: 

الفكرة الأساسية له: القدوات وأقوالهم في حث العبد على محاسبة نفسه. 

الأفكار الفرعية المهمة التي يتضمنها: مخالفة النفس وأهوائها وشهواتها.
وعلى المسلم أن يعلم؛ أن أصل كل فتنة هو تقديم الرأي على شرع الله والهوى على العقل (ابن القيم: الداء والدواء)، فإذا سمع المؤمن قوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا”، عليه أن يرعى سمعه، فإما أنه أمر فيتبعه، أو نهي فينهي نفسه عنها، قال تعالى: “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا” (الأحزاب:36)، ولذلك على كل راعي أن يتقي الله في نفسه وفي رعيته، فيبث هذا الأصل في القلوب. 

 

4) الواجب على كل عاقل:  

الفكرة الأساسية له: العاقل يلزم نفسه بحساب يومي. 

الأفكار الفرعية: ضبط النفس وحفظ الوقت.
من الأمور المهمة في حياة الإنسان هي حفظ الوقت، حيث يعتبره نعمة من الله يجب الاستفادة منها قبل الانشغال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شَبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ” (الألباني صحيح الترغيب 3355). فمن الضروري على الإنسان أن يلتزم بالأوراد والأذكار يوميًا، ولا يتهاون فيها ولا يؤجلها، حيث يحث هذا الحديث على اغتنام الفرص النافعة في الدنيا والتي تعود بالفائدة على الإنسان في حياته وآخرته. 

 

5) حساب أيسر من حساب الشدة: 

الفكرة الأساسية: الدنيا مزرعة الآخرة، فعلى المرء أن يجتهد في الدنيا، ويأخذها بالشدة، حتى يحصد ثماره في الجنة. 

الأفكار الفرعية: لا تأمن على نفسك من الفتنة، ولا تتبع أهوائك.
الفتنة نوعان: فتنة الشبهات، وهي أعظمهما، وفتنة الشهوات. وقد يقع المرء في أحدهما، أو قد يصاب بهما معًا، فأما فتنة الشبهات، قال ابن القيم: “فتنة الشبهات مِن ضَعفِ البصيرة، وقلة العلم، ولا سيما إذا اقترن بذلك فسادُ القصد، وحصولُ الهوى، فهنالك الفتنة العظمى، والمصيبة الكبرى”، ولذلك فعلى المؤمن أن يحصن نفسه بالعلم النافع، ويعمل بهذا العلم، قال تعالى: “وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا” (النساء: 66)، ويسأل الله تعالى العلم النافع، وأما في فتنة الشهوات، فعليه بالتحصن بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واللجوء إلى الله تعالى، وعلى المؤمن أن يخرج من حوله وقوته، إلى حول الله تعالى وقوته، ثم بذل الأسباب النافعة، وعليه أيضاً، ألا يكون فارغاً، فالفراغ مهلكة، ومدخل من مداخل الشيطان، وعليه بالصحبة الصالحة التي تعينه على أمور دينه.  

 

6) يوسف عليه السلام ومحاسبة النفس: 

 الفكرة الأساسية: سرد نماذج من عتاب السلف لأنفسهم. 

الفكرة الفرعية: محاسبة النفس في كل أمر من النظر إلى حب الفضول.
قال تعال: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ (الإسراء:36)، وفي السنة وصية الرسول صلى الله عليه وسلم:(من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، فإذا وضع المسلم هذا الأمر نصب عينيه، وفر على نفسه كثير من الوقت والمجهود، فالكيس الفطن هو الذي يشغل نفسه بنفسه، فأنت مسؤول عن نفسك، وأنت الذي ستحاسب عليها، فلا تنشغل بحياة الآخرين، وخاصة في هذا العصر الذي انتشر فيه ما يسمى بالمؤثرين، وهم أبعد عن ذلك!

 

7) جعفر وشدة محاسبة النفس:

الفكرة الرئيسية: المقصود هنا الصحابي عبد الله بن رواحة، الذي عاتب نفسه أنه مازال في الدنيا، وذلك في غزوة مؤتة، فأراد أن يأكل، وهو الذي لم يذق الطعام منذ ثلاثة أيام، فعاتب نفسه أن هذا الطعام يحول بينه وبين الجنة فتركها من يده، وقاتل أعداء الله ثم استشهد رضي الله عنه، ولحق بصاحبيه، وفي ذلك درس في علو الهمة واليقين بثواب الله، فعلى المؤمن أن يطلب معالي الأمور، ويأخذ نفسه بالشدة. 

الفكرة الفرعية: أهمية الصدق مع الله، ومجاهدة النفس على الإخلاص.
قال تعالى: ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: 23]، الصدق مع الله يعتبر ذا أهمية كبيرة، فهو سميع عليم ويعلم صدق العبد وصدق الطلب، وعلى المسلمين أن يتحروا الصدق في كل شؤونهم لأن الصدق يؤدي إلى البر، بينما الكذب يؤدي إلى الفجور، يجاهد المؤمن نفسه ليكون عند الله صديقاً، من طلب الشهادة بصدق نالها، حتى لو مات على فراشه، مما يعكس أهمية الإخلاص والصدق مع الله. 

 

8) باب في ذم النفس: 

الفكرة الرئيسية: البعد عن العجب وآفاته. 

الفكرة الفرعية: عدم الاغترار بالنفس أو بمديح الناس للمرء.

فإنهم يمدحون الظاهر لهم، ولكن ﴿بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ (15)﴾ (القيامة:14-15). فالمؤمن يدخل على ربه من باب الضعف والتودد إلى الملك القهار، ولا يغتر بعمله، أو مديح الناس له.
“إن العُجب من الآفات الخطيرة التي تصيب كثيرًا من الناس، فتصرفهم عن شكر الخالق إلى شكر أنفسهم، وعن الثناء على الله بما يستحق إلى الثناء على أنفسهم بما لا يستحقون، وعن التواضع للخالق والانكسار بين يديه إلى التكبر والغرور والإدلال بالأعمال، وعن احترام الناس ومعرفة منازلهم إلى احتقارهم وجحد حقوقهم هذه الآفة من أخطر الآفات على النفس لأنها تريك ما ليس بالحسن حسناً وتقعدك وتثبطك عن العمل وعن محاسبة النفس،”
قال ابن القيم -رحمه الله-: “وَلْيَحْذَرْ العبد كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ طُغْيَانِ ” أَنَا “، ” وَلِي “، ” وَعِنْدِي “، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الثَّلَاثَةَ ابْتُلِيَ بِهَا إِبْلِيسُ وفرعون، وقارون، (فَأَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) لِإِبْلِيسَ، وَ {لِي مُلْكُ مِصْرَ} لفرعون، وَ {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} لقارون. وَأَحْسَنُ مَا وُضِعَتْ ” أَنَا ” فِي قَوْلِ الْعَبْدِ: أَنَا الْعَبْدُ الْمُذْنِبُ، الْمُخْطِئُ، الْمُسْتَغْفِرُ، الْمُعْتَرِفُ وَنَحْوِهِ. ” وَلِي “، فِي قَوْلِهِ: لِيَ الذَّنْبُ، وَلِيَ الْجُرْمُ، وَلِيَ الْمَسْكَنَةُ، وَلِيَ الْفَقْرُ وَالذُّلُّ: ” وَعِنْدِي ” فِي قَوْلِهِ: ” اغْفِرْ لِي جِدِّي، وَهَزْلِي، وَخَطَئِي، وَعَمْدِي، وَكُلَّ ذَلِكَ عِنْدِي”. 

 

9) ستر الله: 

الفكرة الرئيسة: نعمة الستر من النعم التي منّ الله تعالى على عباده. 

الفكرة الفرعية: مداومة الدعاء بالستر.
“إن الستر نعمة من نعم الله وهباته، لا تطيب حياة الناس إلا به، ولا تسعد النفوس إلا تحت ظلاله، فهو زينة وجمال، وبهاء وجلال، به تَحفظ الأمةُ كيانَها، وترابُطَها وبنيانَها والستر هو: تغطية العيوب وإخفاء الهَنَات، وكتم المساوئ والزلات، قولًا وعملًا، حسًّا ومعنًى، ولقد اتصف ربنا بهذه الصفة الجليلة؛ فهو -سبحانه- السِّتِّير، ففي (سنن أبي داود)، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن الله -عز وجل- حَيِيٌّ سِتِّيرٌ، يحبُّ الحياءَ والسترَ”.
قال تعالى: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ [النساء: 148]، فكلُّ ما كان سيِّئًا من القول، فالجهر به لا يحبُّه الله عزَّ وجلَّ؛ لأن هذا فيه نشرٌ للرذيلة بين العباد، فإذا أَذنَب شخصٌ ذنبًا أو ارتكَبَ كبيرةً؛ كأنْ قتَل نفسًا بغير حق، أو زنا أو سرق، فبابُ التوبة مفتوح للعبد؛ لقول النبي صلَّى الله عليْه وسلَّم: ((إنَّ الله يبسُط يدَه بالليل ليتوب مسيءُ النهار، ويبسُط يدَه بالنهار ليتوب مسيءُ الليل، حتى تطلُع الشمسُ مِن مَغربها)).
ونحن في هذا العصر أحوج ما نداوم سؤال الله تعالى ستره لنا ولذرارينا، حيث أصبح الجهر بالمعصية من الحريات الشخصية!! لهذا السبب أدرج ابن أبي الدنيا باب ستر الله، ليذكّر المؤمن بنعمة الله عليه أنه لو علم الناس بما في داخله، لما وجد من يشيد بذكره بخير. 

 

10) الاستحياء من مجالسة الناس:  

الفكرة الرئيسية: عدم الإكثار من مخالطة الناس. 

الفكرة الفرعية: اعتزال الناس وعدم الإكثار من مخالطة الناس، أسلم للنفس من مداخل الشيطان والهوى.
قال السري السقطي رحمه الله: “من أراد أن يَسلم دينُه. ويستريح قلبه وبدَنه، ويقلّ غمّه، فليعتزل الناس، لأن هذا زمان عزلة ووحدة”، وعن ابن سيرين رحمه الله قال: العزلة عبادة. وعن مكحول رحمه الله قال: “إن كان الفضل في الجماعة، فإن السلامة في العزلة”. وعن قتادة رحمه الله قال: “كان المؤمن لا يُرى إلا في ثلاثة مواطن: في مسجد يعمره، أو بيت يستره، أو حاجة لا بأس بها”.
وقال ابن القيم: “فكم جلبت خلطة الناس من نقمة، ودفعت من نعمة، وأنزلت من محنة، وعطلت من منحة، وأحلت من رزية، وأوقعت في بلية؟ وهل آفة الناس إلا الناس؟ وهل كان على أبي طالب عند الوفاة أضر من قرناء السوء؟ والضابط النافع في أمر الخلطة: أن يخالط الناس في الخير ويعتزلهم في الشر وفضول المباحات. فإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في الشر ولم يمكنه اعتزالهم: فالحذر الحذر: أن يوافقهم، وليصبر على أذاهم، فإنهم لابد أن يؤذوه. وإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول المباحات: فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس: طاعة لله إن أمكنه، ويشجع نفسه ويقوي قلبه، ولا يلتفت إلى الوارد الشيطاني القاطع له عن ذلك بأن هذا رياء ومحبة لإظهار علمك وحالك.
فإن أعجزته المقادير عن ذلك: فَلْيسُلّ قلبه من بينهم كسل الشعرة من العجين، وليكن فيهم حاضرًا غائبًا، قريبًا بعيدًا، ينظر إليهم ولا يبصرهم، ويسمع كلامهم ولا يعيه، لأنه قد أخذ قلبه من بينهم ورقى به إلى الملأ الأعلى، وما أصعب هذا وأشقه على النفوس، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، فبين العبد وبينه: أن يصدق الله ويُديم الّلجأ إليه.”
عند مراجعة كتاب محاسبة النفس، نجد أن هناك تدرجًا في خطوات محاسبة النفس. ومن الأمور التي تساعد الإنسان على تقييم سلوكه هي العزلة عن الناس والعودة إلى الذات للتأمل في مواطن القوة فيها وبالتالي شكر الله عليها، وكذلك تحديد نقاط الضعف والعمل على تحسينها. وهذا لا يمكن تحقيقه إذا كان الشخص دائمًا في مخالطة مع الآخرين. ومن شمولية الإسلام، أن هناك أوقاتًا معينة يختلي فيها الإنسان بربه، مثل الثلث الأخير من الليل، وهناك مواسم خاصة مثل الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، وهذا يعكس رحمة الله بعباده. 

 

11) حسن الظن بالله:  

الفكرة الرئيسية: توطين النفس على حسن الظن بالله.

الفكرة الفرعية: النفس مجبولة على التفريط، فعلى المؤمن أن يكثر من مجاهدة نفسه مع حسن الظن بالله.
إذا فرط العبد في فرض من فروض العبادات، أو طاعة من الطاعات، يجوز له أن يُؤدب نفسه ببعض الطاعات، ولو ألزم نفسه بها، وأصل ذلك مشروعية إتباع السيئةِ الحسنةَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ (هود: 114)، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: “أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَدَعَاهُ فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا لَهُ خَاصَّةً؟ قَالَ: بَلْ لِلنَّاسِ عَامَّةً.” متفق عليه. وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: “اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ.” رواه أحمد، والترمذي، والحاكم، وحسنه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ: “إذا أسأت فأحسن”. رواه ابن حبان، والحاكم، وحسنه الألباني. وَقَالَ سَلْمَانُ: “إِذَا أَسَأْتَ سَيِّئَةً فِي سَرِيرَةٍ، فَأَحْسِنْ حَسَنَةً فِي سَرِيرَةٍ، وَإِذَا أَسَأْتَ سَيِّئَةً فِي عَلَانِيَةٍ، فَأَحْسِنْ حَسَنَةً فِي عَلَانِيَةٍ، لِكَيْ تَكُونَ هَذِهِ بِهَذِهِ. أخرجه ابن أبي الدنيا.

ما المراد بحسن الظن بالله؟
حسن الظن بالله تعالى هو قوة اليقين بما وعد الله تعالى عباده من سعة كرمه ورحمته ورجاء حصول ذلك. وحسن الظن بإجابة الدعاء، يكون بقوة اليقين بأن الله تعالى يجيب الداعي. لكن إن تأخر جوابه فلا يقنط من رحمة الله تعالى وسعة كرمه؛ فإن في القنوط سوء ظن بالله تعالى، وهو أمر محرم.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي” رواه البخاري (7405) ومسلم (2675).

حسن الظن يحث على العمل:
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ولا ريب أن حسن الظن إنما يكون مع الإحسان، فإن المحسن حسن الظن بربه أن يجازيه على إحسانه ولا يخلف وعده، ويقبل توبته “.وأما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات، فإن وحشة المعاصي والظلم والإجرام: تمنعه من حسن الظن بربه، وهذا موجود في الشاهد، فإن العبد الآبق المسيء الخارج عن طاعة سيده لا يحسن الظن به.ولا يجامع وحشة الإساءة إحسان الظن أبدا، فإن المسيء مستوحش بقدر إساءته.وأحسن الناس ظنا بربه: أطوعهم له.كما قال الحسن البصري: إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وإن الفاجر أساء الظن بربه، فأساء العمل..”

 

12) القلوب تحن إلى الرجاء: 

الفكرة الرئيسية: إياك واليأس من روح الله تعالى. 

الفكرة الفرعية: الرجاء في الله من حسن الإيمان، ولو نظر المسلم إلى عمله، وكيف أن المعاصي غالبة عليه، لقنط من رحمة الله، ولكن من رحمة الله بنا أنه جعل القلوب ترجو رحمته، وتأمل في عظيم عفوه. 

الرجاء هو: تعلق القلب بحصول شيء محبوب في المستقبل وقيل هو: الاستبشار بجود الله وفضله، والطمع في إحسانه وعطائه، مع بذل الجهد وحسن التوكل، فمَن بذل الأسباب بفعل الطاعات وترك المحرَّمات، منتظرًا لرحمة الله تعالى وجوده وكرمه وإحسانه، فهذا هو الراجي، أما مَن انتظر شيئًا بدون بذل الأسباب، فلا يسمى راجيًا، بل متمنيًا، قال تعالى: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: 123]، فالتمني يكون مع الكسل وترك العمل.
الرجاء عبادةٌ قلبية من أعظم العبادات، وعليه وعلى الحب والخوف مدارُ السَّير إلى الله تعالى؛ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإسراء: 57]، فابتغاء الوسيلة إليه: طلب القرب منه بالعبودية والمحبة، فذكر مقامات الإيمان الثلاثة التي عليها بناؤه: الحب، والخوف، والرجاء.
من الجدير بالذكر في تصنيف الكاتب، أنه عند الحديث عن ذم النفس، بدأ بتذكير الفرد بستر الله له، مشيرًا إلى ضرورة عدم الاغترار بمديح الناس، وتجنب كثرة مجالسة الآخرين دون حاجة. كما وجه النصيحة بالتوسط في تقييم الذات، حيث يجب أن يحسن الإنسان الظن بالله، ويرجو عفوه مع الاجتهاد في العمل حتى وإن كانت لديه العديد من العيوب، مما يعزز الأمل وعدم اليأس من رحمة الله. 

 

13) ظاهر العيوب كثير الذنوب:

الفكرة الرئيسية: تذكير النفس بنواقصها وذنوبها. 

الفكرة الفرعية: معاهدة الأصدقاء الأوفياء، وأهل النصيحة الصادقين.
إن الأخوة في الله من أعظم نعم الله على المؤمنين، ومن ثمرات الإيمان، قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً﴾ [آل عمران:103]. 

وهذه الأخوة الإسلامية تقتضي أمورًا كثيرة منها: (أولًا: المحبة. ثانيًا: النصرة. ثالثًا: التعاون والتكافل والتراحم. رابعًا: الإيثار. خامسًا: إفشاء السلام. سادسًا: السلامة من الأذى وغيرها.)
ومما ورد في الأخوة في النسب -والأخوة في الله أولى منها- قول الشاعر: أخاك أخاك إن من لا أخا له كساع إلى الهيجا بغير سلاح.

 

14) الناس غاديان: 

الفكرة الرئيسية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 207]، من يسعى للدنيا وشهواتها، فقد باع نفسه، وأهلك رقبته، ومن يشتري نفسه بجهادها والعمل الصالح، فاز بالجنة لما أسلفه من العمل. 

الفكرة الفرعية: الإكثار من العمل الصالح، فلا تدري لعل عمل يكون هو المنجى، ودوام الاستغفار والتوبة، والمسارعة في التوبة بعد كل ذنب، بدون أذية البدن.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ” (أخرجه مسلم 2626)، يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ المسلِمَ لا يَجبُ عَليهِ أنْ يَحقِرَ، أي: يُقلِّلَ منَ المعروفِ، أي: مِن فِعلِ الخيرِ؛ شيئًا ولَو أنْ يَلقَى أَخاهُ المُسلمَ بوَجهٍ “طَلْقٍ”، أي: ضاحكٍ مُستبشِرٍ، وليسَ بوَجهٍ عَبوسٍ مُكفهِرٍّ. في الحديثِ: أنَّ مِن هَديِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طَلاقةَ الوَجهِ عندَ اللِّقاءِ، وفيهِ: الحثُّ على فِعلِ المعروفِ قليلًا كانَ أو كثيرًا، بالمالِ، أوِ الخُلُقِ الحَسنِ. وَفيهِ: أنَّ مِن هَديهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِعلَ المَعروفِ وإنْ قَلَّ.

أهمية الإسراع في التوبة.
الإسراع في التوبة أمر بالغ الأهمية في الإسلام، فهو يعكس صدق العبد في الرجوع إلى الله والابتعاد عن الذنوب قبل أن يفاجئه الموت. التوبة ليست مجرد اعتراف بالخطأ، بل هي تحول حقيقي في القلب والسلوك، وهي واجبة على كل مسلم، سواء كان الذنب كبيرًا أو صغيرًا.
والله سبحانه وتعالى يفتح باب التوبة لعباده في كل وقت، ويحثهم على عدم التأجيل، فقد قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ [الزمر: 53]، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن أن الله يفرح بتوبة عبده، مما يدل على عظمة هذا الفعل وأثره في حياة المسلم.  

 

15) معاتبة النفس:

الفكرة الرئيسية: اشغل نفسك بنفسك، واترك الفضول والسؤال عما لا يعنيك. 

الفكرة الفرعية: معاهدة النفس بالتزكية.  

إن نظرة خاطفة متعمقة لحال المسلمين اليوم يمكن من خلالها إدراك مدى الحاجة العظيمة والماسَّة إلى إعادة تربية وتزكية وبناء أنفسنا، وتأسيسها على تقوى من الله ورضوان، وأن الحاجة إلى ذلك أصبحت ـ وهي دوما ـ أشد من الحاجة إلى الطعام والشراب والكساء. وذلك لعدة أسباب:
أولًا: كثرة الفتن والمغريات وأصناف الشهوات والشبهات؛ فحاجة المسلم الآن -لا ريب- إلى البناء أعظم من حالة أخيه أيام السلف، والجهد -بالطبع- لابد أن يكون أكبر؛ لفساد الزمان والإخوان، وضعف المعين، وقلة الناصر.
ثانيًا: لكثرة حوادث النكوص على الأعقاب، والانتكاس، والارتكاس حتى بين بعض العاملين للإسلام، مما يحملنا على الخوف من أمثال تلك المصائر.
ثالثًا: لأن المسؤولية ذاتية، ولأن التبعة فردية والإنسان يحاسب عن نفسه لا عن غيره فلابد من جواب واستعداد (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نفْسِهَا).
رابعًا: عدم العلم بما نحن مقبلون عليه؛ أهو الابتلاء أم التمكين؟ وفي كلا الحاليْن نحن في أَمَسِّ الحاجة إلى بناء أنفسنا لتثبت في الحالين.
خامسًا: لأننا نريد أن نبني غيرنا، ومن عجز عن بناء نفسه فهو عن بناء غيره أعجز.

دور السنة في التزكية:
يقول ابن القيم: “إن تزكية النفوس مُسلَّم إلى الرسل، وإنما بعثهم الله لهذه التزكية وولاّهم إياها، وجعلها على أيديهم دعوة وتعليماً وبياناً وإرشاداً، فهم المبعوثون لعلاج نفوس الأمم، وتزكية النفوس أصعب من علاج الأبدان وأشد، فمن زكى نفسه بالرياضة والمجاهدة والخلوة، التي لم يجيء بها الرسل؛ فهو كالمريض الذي يعالج نفسه برأيه، وأين يقع رأيه من معرفة الطبيب؟ فالرسل أطباء القلوب، فلا سبيل إلى تزكيتها وصلاحها إلا من طريقهم، وعلى أيديهم، وبمحض الانقياد والتسليم لهم.”
وفي هذه العبارة إشارة إلى أهمية إتباع السنة في تزكية النفس، فلا يمكن فصل القرآن عن السنة في حياة المسلم، فالسنة إنما هي التطبيق العملي للقرآن، ففي السنة وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، البيان العملي لما جاء في القرآن. 

 

16) التهجد: 

الفكرة الرئيسية: المداومة على العبادة. 

الفكرة الفرعية: جبر التقصير في العبادات.
قول الله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ *وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) (المؤمنون:57- 60).
وقد روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) قالت عائشة: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا، يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون ألا يتقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات.
والإنسان لا يزال بخير مادام يشعر بأنه مفرط مذنب ليكون ذلك دافعاً إلى الاستزادة من الصالحات، والإكثار من الاستغفار، ولعله بعد ذلك أن يحظى بالقبول عند الله تعالى. نسأل الله أن يتقبلنا جميعاً في عباده الصالحين.(17) 

 

17) حلف ألا ينام على فراش أبدًا:

الفكرة الرئيسية: أخذ النفس بالشدة. 

الفكرة الفرعية: علو الهمة والعزيمة.
علو الهمة هو سمو الطموح وارتفاع الإرادة نحو تحقيق الأهداف السامية، وهو من الصفات التي تميز أصحاب العزائم القوية الذين لا يرضون بالدون، بل يسعون إلى المعالي في الدين والدنيا.
في الإسلام، علو الهمة مرتبط بالإخلاص لله والسعي في سبيله، كما قال النبي ﷺ: “من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة.” وهذا يدل على أن من أراد الوصول إلى الجنة، فعليه أن يكون صاحب همة عالية في العبادة والطاعة. 

 

18) ذوقي.. نار جهنم أشد حرًا

الفكرة الرئيسية: تذكر الآخرة ومآل الناس. 

الفكرة الفرعية: تذكير النفس بضعفها والمسارعة في التوبة.
إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال كلماتُ المكروبِ: “اللهمَّ رحمتَك أرجو فلا تكِلْني إلى نفسي طَرْفةَ عينٍ أصلِحْ لي شأني كلَّه”. (أخرجه أبو داود 5090)
هذه الكلمات الواردة في الحديث كلمات إيمان، وتوحيد، وإخلاص للَّه عز وجل وبعد عن الشرك كله، كبيره وصغيره، وفي هذا أوضح دلالةً على أن أعظم علاج الكرب، هو تجديد الإيمان، وترديد كلمات التوحيد (لا إله إلا أنت)؛ فإنه ما زالت شدَّة، ولا ارتفع همٌّ ولا كربٌ بمثل توحيد اللَّه، وإخلاص الدين له، وتحقيق توحيد العبودية له عز وجل التي خُلق الخلق من أجلها، فإن القلب عندما يُعمر بالتوحيد والإخلاص، ويُشغل بهذا الأمر العظيم، الذي هو أعظم الأمور، وأجلها على الإطلاق، تذهب عنه الكُربات، وتزول عنه الشدائد، والغموم خاصة إذا فُهِمَتِ المعاني، وعُمل بالمقاصد، فإن يونس عليه السلام ما أزال اللَّه عنه الكربات إلا عند قوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، قال النبي صلى الله عليه وسلم (ألا أخبركم بشيء: إذا نزل برجل منكم كرْبٌ، أو بلاء من بلايا الدنيا، دعا به يُفرج عنه ؟ فقيل له: بلى، فقال: دعاء ذي النون).

 

19) ما تصنع في شهوتك؟ 

الفكرة الرئيسية: مخافة هوى النفس.

الفكرة الفرعية: تعاهد النصيحة بين الصحبة الصالحة.
النصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم: عن تميم بن أوس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه البخاري ومسلم. والنصيحة ليست فقط من الدين، بل هي وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام، فإنهم قد بعثوا لينذروا قومهم من عذاب الله، وليدعوهم إلى عبادة الله وحده وطاعته، فهذا نوح عليه السلام يخاطب قومه، ويبين لهم أهداف دعوته فيقول: {أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم} (الأعراف: 62)، وعندما أخذت الرجفة قوم صالح عليه السلام، قال: {يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين} (الأعراف: 79).

النصيحة لله، وهناك معان كثيرة تندرج تحتها، ومن أعظمها: الإخلاص لله تبارك وتعالى في الأعمال كلها، ومن معانيها كذلك: أن يديم العبد ذكر سيده ومولاه في أحواله وشؤونه، فلا يزال لسانه رطبا من ذكر الله، ومن النصيحة لله: أن يذبّ عن حياض الدين، ويدفع شبهات المبطلين، داعيا إلى الله بكل جوارحه، ناذرًا نفسه لخدمة دين الله، إلى غير ذلك من المعاني، ومن معاني النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: تصديقه فيما أخبر به من الوحي، والتسليم له في ذلك، حتى وإن قصُر فهمنا عن إدراك بعض الحقائق التي جاءت في سنّته المطهّرة؛ انطلاقا من إيماننا العميق بأن كل ما جاء به إنما هو وحي من عند الله ، ومن معاني النصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم : طاعته فيما أمر به ، واتباعه في هديه وسنته، وهذا هو البرهان الساطع على محبته صلى الله عليه وسلم.

 

20) عذبت نفسك قبل أن تعذب:

الفكرة الرئيسية: الاستعداد للموت ولقاء الله. 

الفكرة الفرعية: احتساب العمل لله.
قال تعالى: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الشورى:36]، وما قدمه العبد لنفسه من الصالحات يجده عند الله تعالى كاملاً مضاعفًا: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً} [المزمل:20]، احتساب الأجر من الله هو استحضار النية الصالحة في الأعمال، بحيث يكون الهدف منها التقرب إلى الله ونيل ثواب، فهذا المفهوم يعزز الإخلاص ويجعل حتى الأعمال اليومية العادية ذات قيمة عظيمة إذا نوى الإنسان بها الخير.
قال النبي ﷺ: “إن لك ما احتسبت”، أي أن الأجر مرتبط بالنية، فكلما احتسب الإنسان عمله لله، زاد ثوابه. ومن صور الاحتساب:
– الصبر على المصائب، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر: 10).
– احتساب الأجر في العبادات والطاعات، مثل الصلاة والصيام والصدقة.
– احتساب الأجر في الأعمال اليومية، كإعانة الآخرين أو حتى النوم بنية الاستراحة للعبادة. 

 

21) لو كان فيك خيرًا:

الفكرة الرئيسية: الذنوب تحجب استجابة الدعاء.

الفكرة الفرعية: عدم الاغترار بالعبادات والطاعات.
عَنْ جَابِرٍ أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا عَنْ أَمْرِنَا كَأَنَّا نَنْظُرُ إِلَيْهِ أَبِمَا جَرَتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَثَبَتَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ أَوْ بِمَا يُسْتَأْنَفُ قَالَ “لَا بَلْ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَثَبَتَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ” قَالَ فَفِيمَ الْعَمَلُ إِذًا، قَالَ “اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ” قَالَ سُرَاقَةُ فَلَا أَكُونُ أَبَدًا أَشَدَّ اجْتِهَادًا فِي الْعَمَلِ مِنِّي الْآنَ. (أخرجه مسلم 2648) 

 

22) ليس الشديد الذي يغلب الناس:

الفكرة الرئيسية: الشدة والقوة في غلبة النفس. 

الفكرة الفرعية: عدم الاغترار بظواهر الأشياء.
قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} (الروم:7)، ذكر ابن كثير في تفسيره، أي: أكثر الناس ليس لهم علم إلا بالدنيا وأكاسبها وشئونها وما فيها، فهم حذاق أذكياء في تحصيلها ووجوه مكاسبها، وهم غافلون عما ينفعهم في الدار الآخرة، كأن أحدهم مغفل لا ذهن له ولا فكرة.
قال الحسن البصري: والله لبلغ من أحدهم بدنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره، فيخبرك بوزنه، وما يحسن أن يصلي، وقال ابن عباس في قوله: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} يعني: الكفار يعرفون عمران الدنيا، وهم في أمر الدين جهال.
إذا نظرنا إلى الغرب، نجد الإنسان الغربي في معايير الدنيا هم المتقدمون، بينما نحن الشرق قوم متخلفون عن الحضارة الإنسانية المزعومة، ولكن من ينظر بإمعان، يجد الغرب مجتمع مهلهل داخليًا، فهذه الحضارة هي تقوم على فردانية الإنسان، وتقديس ذاتيته وشهواته ولو كانت على حساب الآخرين، فمعايير التحضر والتقدم هي معايير مادية بحتة، بينما أهملت القيم الأخلاقية، وروح الإنسان، فالإنسان هو مادة وروح، ولذلك فعلى أي حضارة أن تخاطب هاتين العنصريين ، ولكن الواقع يقول غير ذلك، فوجدنا ظاهرياً التمدن والترف، بينما الحقيقة كثرة الانتحار في الغرب، الأمراض النفسية، بحثهم عما يشبع أرواحهم، فمنهم من يلجأ إلى الانغماس في المخدرات والملذات، ومنهم من هداه الله إلى الإسلام.

 

23) ابدأ بنفسك: 

الفكرة الرئيسية: من لم يجاهد نفسه ويروضها، لن يغلب بعوضة. ومن مات على شيء بُعث عليه. 

الفكرة الفرعية: حث النفس على الإخلاص، صدق طلب الشهادة، ينالها صاحبها، ولو مات على فراشه.

أقوال السلف في الصدق مع الله:
1- اصدق في الطلب وقد جاءتك المعونة. ابن القيم.
2- وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته يكون توفيق الله له وإعانته، فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم. ابن القيم.
3- من عود نفسه العمل لله لم يكن أشق عليه من العمل لغيره. ابن القيم.
4- فمن تشبه بأهل الصدق والإخلاص وهو مُراءٍ كمن تشبه بالأنبياء وهو كاذب. ابن القيم.
5- إن الرجل ليتكلم بالكلام ينوي فيه الخير فيلقي الله في قلوب العباد حتى يقولوا: ما أراد بكلامه إلا الخير. ابن حبان.

 

24) القلوب سريعة الذنوب:

الفكرة الرئيسية: “إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِن أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ”. 

الفكرة الفرعية: الموت أقرب للمرء من شراك نعله، فليستعد!

الاستعداد للموت: عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: “كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يُكثِرُ أن يقولَ: أكثِروا مِن ذِكْرِ هاذِمِ اللَّذَّاتِ” (صحيح النسائي 1823)، تَذكُّرُ الموتِ والآخرةِ مِن البواعثِ الحقيقيَّةِ على تَحسينِ الصِّلةِ بين العبدِ وربِّه، وإزالة شواغلِ الدُّنيا مِن الفِكرِ والعقلِ.
“الموت هو الحقيقة التي لا يستطيع أحد أن ينكرها؛ فالإنسان مهما طال عمره في هذه الحياة، فإن الموت مصيره، قال تعالى {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} (النساء: 78)، وقال جل شأنه {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} (الجمعة: 8). والمعنى: إن فررتم منه فإنه ملاقيكم، وفي ذلك مبالغة في الدلالة على أنه لا ينفع الفرار منه.  – الموت يأتي بغتةً، ولا يدري أحد متى وأين وكيف سينتهي أجله قال سبحانه: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} (لقمان: 34). وقد يظنُّ البعض أن الموت لا يُصيب إلَّا المرضى الميؤوس من شفائهم، أو مَنْ وصل إلى أرذل العمر.”

وسائل الاستعداد للموت:
الاستِعدادُ للموت بتحقيقِ التوحيدِ لله رب العالمين؛ بعبادةِ الله لا يُشركُ به شيئًا، ومُجانبَة الشركِ كلِّه.
الاستِعدادُ للموت بحفظِ الحُدود والفرائِض، قال الله تعالى: (وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [التوبة: 112].
والاستِعدادُ للموت باجتِناب كبائِر الذنوبِ والآثام، قال الله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) [النساء: 31].
والاستِعدادُ للموت بأداء حقوقِ الخلق، وعدم تضييعها أو المُماطلَة بها؛ فحقُّ الله قد يعفُو عنه إذا كان دون الشركِ، وأما حقوقُ العباد والخلق فلا يعفُو الله عنها إلا بأخذِها من الظالِم وإعطاءِ المظلُوم حقَّه.
والاستِعدادُ للموت بكتابة الوصيَّة، وألا يُفرِّطَ في ذلك.
والاستِعدادُ للموت بأن يكون مُتأهِّبًا لنُزولِه في كل وقتٍ.

 

25) المجاهد من جاهد نفسه:

الفكرة الرئيسية: جهاد النفس  

الفكرة الفرعية: معاهدة النفس بالجهاد.
المؤمنَ يحرِصُ كلَّ الحِرْصِ على مُجاهدة نفسِه وإلزامِها بالحق والهُدى؛ لأنَّ كثيرًا من النُّفوس البشريةِ أمَّارَةٌ بالسوء، مُتَّبِعَةٌ للهوى، مَيَّالةٌ إلى الراحةِ والكسَل، سَمَّاعَةٌ لوساوس الشيطانِ الذي يُوقِعُها في المعاصي والذنوب، ولنْ يَتمَّ علاجُ هذه الآفاتِ إلا بتوفيق الله تعالى للمسلم بأنْ يُجاهدَ نفسَه على الطاعة، ويَبتعدَ عن المعصية؛ قال القُرطبي في تفسير قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]: “قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانيُّ: لَيْسَ الْجِهَادُ فِي الْآيَةِ قِتَالَ الْكُفَّارِ فَقَطْ، بَلْ هُوَ نَصْرُ الدِّينِ وَالرَّدُّ عَلَى الْمُبْطِلِينَ وَقَمْعُ الظَّالِمِينَ، وَعِظَمُهُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمِنْهُ مُجَاهَدَةُ النُّفُوسِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ؛ وَهُوَ الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ؛ وَقَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِي طَاعَتِنَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَ ثَوَابِنَا”(25)

 

26) كرامة الجسد: 

الفكرة الرئيسية والفرعية: قال ابن القيم رحمه الله:”قد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم، ومن آثر الراحة فاتته الراحة، وأنه بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق، تكون الفرحة والملذة، فلا فرحة لمن لا هم له ولا لذة لمن لا صبر له، ولا راحة لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبد قليلا استراح طويلا وإذا تحمل مشقة الصبر ساعة قاده لحياة النعيم الأبدية، وكل ما فيه أهل النعيم المقيم هو ثمرة لصبرهم”. 

 

27) النفس والدنيا ومن كرمت عليه نفسه: 

الفكرة الرئيسية: هوان الدنيا عند المؤمن.

الفكرة الفرعية: نامَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ علَى حصيرٍ فقامَ وقد أثَّرَ في جنبِهِ فقلنا يا رسولَ اللَّهِ لوِ اتَّخَذنا لَكَ وطاءً فقالَ ما لي وما للدُّنيا، ما أنا في الدُّنيا إلَّا كراكبٍ استَظلَّ تحتَ شجرةٍ ثمَّ راحَ وترَكَها. (أخرجه الترمذي: 2377).
المُؤمِنُ يجعَلُ الدُّنيا دارَ عَمَلٍ وعبادةٍ لِيَحصُدَ ثوابَ ذلك في الآخِرةِ؛ لأن الآخرةَ هي دارُ القَرارِ، وليْستِ الدُّنيا إلَّا دارًا فانيةً سَتَنْتهي إنْ عاجلًا أو آجلًا. أنَّ التَّفكيرَ في فَناءِ الدُّنيا وعَدمِ دَوامِها يُؤدِّي بالعبدِ إلى الاستقامةِ، والمواظَبةِ على صالحِ الأعمالِ، وفيه: الحثُّ على التَّشبُّهِ بالغريبِ وعابرِ السَّبيل؛ فكِلاهما لا يَلتفِتُ إلى الدُّنيا(26). 

 

28) من كرمت عليه نفسه:

الفكرة الرئيسية: “ألا إن سلعةَ اللهِ غاليةٌ، ألا إن سلعةَ اللهِ الجنةُ”. (أخرجه الترمذي (2450) 

الفكرة الفرعية: ثمنك عند الله غالي، فلا تبيع نفسك بالرخيص.
«عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانَ اسْمُهُ زَاهِرًا، وَكَانَ يُهْدِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدِيَّةَ مِنَ الْبَادِيَةِ، فَيُجَهِّزُهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا، وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ “. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّهُ، وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَلَا يُبْصِرُهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ: أَرْسِلْنِي مَنْ هَذَا، فَالْتَفَتَ فَعَرَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ لَا يَأْلُو مَا أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ عَرَفَهُ، وَجَعَلَ» النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟ ” فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذًا وَاللهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” لَكِنْ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ أَوْ قَالَ: “لَكِنْ عِنْدَ اللهِ أَنْتَ غَالٍ “. مسند أحمد (12648(.
أنت عند الله غالٍ؛ لذا اختصك بتلك المنزلة وبتلك النعمة العُظمى؛ ألَا وهي أنه خلقك بيديه سبحانه وتعالى؛ قال الله تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} [ص: 71 – 75]
أنت عند الله غالٍ: خلقك لعبادته، وخلق كل شيء من أجلك، فأنت عند الله غال متى استقر الإيمان في قلبك، فهذا مشهد من مشاهد العظمة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فزاهرٌ لا مالَ لهم، لا يملك شيئًا من متاع الدنيا، ولا جمال يَزِينه، لكنه في نظر الرسول صلى الله عليه وسلم عند الله غالٍ. عند الله أنت غالٍ: تُبرِز أن قيمة الإنسان ليس بما يملِك من حُطامٍ زائل، أو يكنِز من متاع فانٍ، بل قيمته فيما يحمل من قيم ومبادئ، وما انطوت عليه سريرته من صدق وحبٍّ لهذا الدين. عند الله أنت غالٍ: تصرف انتباهنا إلى أن أهمَّ ما يجب الحرص عليه في هذه الدنيا هو مقامنا عند الله، لا عند الناس؛ فرضا الله يسير بلوغه، أما رضا الناس فغاية لا تُدرَك.

 

29) من أهمته نفسه:

الفكرة الرئيسية: أثر العمل يظهر على صاحبه. 

الفكرة الفرعية: اجمع همك على إصلاح نفسك.
همك ما أهمك!
قال الشيخ عبد القادر الجيلاني لغلامه: (يا غلام: لا يكن همك ما تأكل وما تشرب، وما تلبس وما تنكح، وما تسكن وما تجمع، كل هذا همُّ النفس والطبع فأين همُّ القلب، همك ما أهمك فليكن همك ربك عز وجل وما عنده)، وهذه من أعظم الوصايا للدعاة حتى لا تضعف همتهم أمام المغريات، لا سيما وأن من أهم صفات الداعية مخالطته للناس والتأثير عليهم، فكم من داعية انزلق في بحر هذه المغريات حتى أضحت الدعوة آخر اهتماماته.
وهذا على نقيض ما يدعو الغرب إليه، فالله تعالى كرم الإنسان، فخلق هذا الكون والمخلوقات جميعاً لخدمته، والله تعالى جعل الإنسان خليفته، يسعى في إعمار الأرض وازدهارها، لأن الإسلام يأمر بمعالي النفس، وينأى بنفسه عن سفاسف الأمور.

 

30) حتى لا نقول: ربنا ارجعنا نعمل صالحًا، وحتى لا نلوم أنفسنا:

الفكرة الرئيسية: العمل يتبع الإيمان.

الفكرة الفرعية: الدنيا دار عمل، وفرص متجددة للمؤمن.
جعل الله تعالى باب التوبة مفتوحًا للتائبين حتى قيام الساعة، فقد جاء في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل يَبسُط يده بالليل ليتوب مُسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مُسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها)). بل إن الله تعالى يقبل توبة العبد مهما تكرر ذنبه ومهما عظم، وذلك بشرط إخلاصه في التوبة وصدقه في عدم الرجوع إلى المعصية، قال صلى الله عليه وسلم: (إن عبدًا أصاب ذنبًا فقال: رب أذنبت، وربما قال: أصبت فاغفر لي، فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ به غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أصاب ذنبًا – أو أذنب ذنبًا – فقال: رب أذنبت أو أصبت آخر، فاغفره، فقال: أعلم عبدي أن له ربًّا يغفرُ الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبًا وربما، قال: أصاب ذنبًا قال: رب أصبت، أو قال: أذنبت آخر فاغفره لي، فقال: أعلِم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ به، غفرتُ لعبدي ثلاثًا، فليعمل ما شاء)
المسلم الفطن صاحب الهمة العالية يُنمّي المبادرة الذاتية، فيصنع لنفسه فرصا، ويولد أعمالا هادفة لكسب الأجر، واستثمار الوقت والحياة، فينفع ذاته وينمّي زاده، ويخدم وطنه وأمته. والسعيد من جعل كل موسم من مواسم حياته فرصة لطهارة نفسه ونماء حياته فيأخذ الزمام، ويسابق الزمن ويبادر إلى المعالي.

 

31) باب الحذر على النفس مخافة سوء المنقلب والمقت: 

الفكرة الرئيسية: المؤمن لا يغفل عن نفسه. 

الفكرة الفرعية: نعمة النفس اللوامة.
يكادُ كلُ إنسانٍ أن يلومَ كلُ النّاسِ – إلا نَفْسَه – على أخطَاءَ قَد شاركَ فِيهَا، فَهِيَ الوحِيدةُ الناجِيةُ مِنَ اللّوم. يكادُ كلُ إنسَانٍ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ مُحوَرَ الكَونِ وأَنَّهُ ضَحِيّةُ ظلمِ الآخرينَ لَه. يَجْهَشُ صدرُ الإنسانِ بالبكاءِ على حالهِ، وتفيضُ عَيناه بالدُمُوعِ على تَجَنِي الآخرينَ عليه، وينطلقُ لسانُهُ بالشَكْوَى مِنهُم، لكِنّهُ يكونُ أصمًا أبكمًا أعمًى عَن كُلِ مَا لَهُ عَلاقَة بأخطائهِ. فَهَل أقسَمَ اللهُ بالنفسِ اللوامةِ تعظيمًا لها كما قد يتوهمُ البعض؟!، وذلك بنزعِ القَسَمِ عن سياقِه، أم لأنَّها قد تكونُ من أعظمِ ما قَد يوردُ الإنسانَ المهالكَ يومَ القيامةِ عندَمَا تخلطُ الأوراقَ وتلومُ كلَ أحدٍ إلا هي! وتنسى معَ هذا اللومِ يومَ القيامة، حين يحاسبُ اللهُ العدلُ كلَ إنسانٍ بميزانِ الحقِ لا بميزانِ الهوى الذي لا يجتهدُ إلا في التماسِ الأعذارِ لنفسِه، رغمَ أنَّه يعلمُ جيدًا مِن داخلِهِ أنهُ خاطئةٌ نَفسُه. ﴿لا أُقسِمُ بِيَومِ القِيامَةِ* وَلا أُقسِمُ بِالنَّفسِ اللَّوَّامَةِ* أَيَحسَبُ الإِنسانُ أَلَّن نَجمَعَ عِظامَهُ * بَلى قادِرينَ عَلى أَن نُسَوِّيَ بَنانَهُ* بَل يُريدُ الإِنسانُ لِيَفجُرَ أَمامَهُ* يَسأَلُ أَيّانَ يَومُ القِيامَةِ* فَإِذا بَرِقَ البَصَرُ* وَخَسَفَ القَمَرُ* وَجُمِعَ الشَّمسُ وَالقَمَرُ* يَقولُ الإِنسانُ يَومَئِذٍ أَينَ المَفَرُّ* كَلّا لا وَزَرَ*إِلى رَبِّكَ يَومَئِذٍ المُستَقَرُّ* يُنَبَّأُ الإِنسانُ يَومَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ* بَلِ الإِنسانُ عَلى نَفسِهِ بَصيرَةٌ* وَلَو أَلقى مَعاذيرَهُ﴾ [القيامة: ١-١٥]
وهذه تعد من الأمور الفارقة بين علم النفس الإسلامي وعلم النفس المستمد من الغرب، فعلم النفس الإسلامي يحمل النفس تبعات تصرفاتها، ويدرب النفس على مواجهة أخطائها وعدم الهروب منها أو إلقاء المسؤولية على الآخر، فأنت نتاج سلوكك، ومن أحسن السلوك وجاهد نفسه على تزكيتها، وتحلى بالشجاعة في الاعتراف بالخطأ إذا أخطأ، فهو يعد من الشخصيات السوية.

 

32) باب إجهاد النفس في الأعمال وطلب الراحة يوم المعاد: 

الفكرة الرئيسية: ” لِمِثْلِ هَٰذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ” (الصافات:61).

الفكرة الفرعية: المؤمن أسير في الدنيا، ولا ينجو من عسرات يوم القيامة ومرارتها، إلا من أرضى الله عز وجل بسخط نفسه.
قال صلى الله عليه وسلم: “الدُّنْيا سِجْنُ المُؤْمِنِ، وجَنَّةُ الكافِرِ”. (أخرجه مسلم 2956) الدنيا، رغم ما فيها من متاع ولذات، تبقى بالنسبة للمؤمن دار ابتلاء وتكليف، حيث يُقيّد نفسه بالطاعات ويجاهدها عن الشهوات المحرمة، منتظرًا النعيم الأبدي في الآخرة. أما الكافر، فهو يتمتع بالدنيا بلا قيود إيمانية، لكنها تبقى جنته المؤقتة مقارنة بما ينتظره من العذاب في الآخرة. هذا الحديث يذكّر المؤمن بالصبر والثبات، ويحثه على عدم الانغماس في الدنيا، بل أن يكون قلبه متعلقًا بالآخرة. فكيف ترى هذا المعنى في حياتك اليومية؟ 

 

القسم الثالث: مراجعة الكتاب. 

الكلمات المفتاحية التي قد تميز الكتاب:

(النفس- محاسبة النفس- الإيمان- العمل- القلب- كرامة الجسد- التعب- الراحة- الدنيا- الموت- أهمية الإيمان باليوم الآخر). 

نقاط القوة والأهمية العلمية للكتاب: 

  • يعد الكتاب من الكتب التي تتحدث عن النفس، فيشرحها تشريحًا ليصف حقيقتها وبيان نقاط الضعف فيها، ومن ثم حث المؤمن على الرجوع إلى نفسه باللوم، وعدم تعظيمها أو الاغترار بها.
  • يعد الكتاب من لبنات المؤسسة لعلم النفس الإسلامي.

نقاط الضعف:

  • الأحاديث الضعيفة والمرسلة.
  • الإسرائيليات.
  • عدم التعليق على الباب، عدم تعقيب المصنف على بعض النقاط. 

الفئات التي قد تستفيد من الكتاب:

  • اليافعين.
  • عامة المسلمين. 
المشاركة:

ملخص سريع

تنبع أهمية هذا الكتاب في أنه يقدم للقارئ فرصة للتأمل الذاتي ومراجعة النفس بصدق وإخلاص، ويحفزه على الوقوف أمام ذاته ومحاسبتها على تقصيرها في السعي نحو الله.

إسهامات الكاتب الأخرى

تنبع أهمية هذا الكتاب في أنه يقدم للقارئ فرصة للتأمل الذاتي ومراجعة النفس بصدق وإخلاص، ويحفزه على الوقوف

يتناول الكتاب أهمية تعلم الأدوات الفلسفية (التأويل، القياس، البرهان) لفهم بعض أمور الدين بشكل صحيح، خاصةً تلك المواضيع

يوضح الكتاب أن العقل هو هبة من الله للإنسان، وهبة فطرية تساعده على التمييز بين الصواب والخطأ، والعقل

يسعى كتاب "تهذيب الأخلاق" إلى الارتقاء بالنفس الإنسانية وتهذيبها من خلال التربية الذاتية والتهذيب الشخصي، بدلًا من الاقتصار

استكشف المجالات والشعارات

موضوعات ذات صلة

تنبع أهمية هذا الكتاب في أنه يقدم للقارئ فرصة للتأمل الذاتي ومراجعة النفس بصدق وإخلاص، ويحفزه على الوقوف

تنبع أهمية هذا الكتاب في أنه يقدم للقارئ فرصة للتأمل الذاتي ومراجعة النفس بصدق وإخلاص، ويحفزه على الوقوف

تنبع أهمية هذا الكتاب في أنه يقدم للقارئ فرصة للتأمل الذاتي ومراجعة النفس بصدق وإخلاص، ويحفزه على الوقوف

مكتبة علم النفس الإسلامي

تنبع أهمية هذا الكتاب في أنه يقدم للقارئ فرصة للتأمل الذاتي ومراجعة النفس بصدق وإخلاص، ويحفزه على الوقوف

يتناول الكتاب أهمية تعلم الأدوات الفلسفية (التأويل، القياس، البرهان) لفهم بعض أمور الدين بشكل صحيح، خاصةً تلك المواضيع

يوضح الكتاب أن العقل هو هبة من الله للإنسان، وهبة فطرية تساعده على التمييز بين الصواب والخطأ، والعقل

يسعى كتاب "تهذيب الأخلاق" إلى الارتقاء بالنفس الإنسانية وتهذيبها من خلال التربية الذاتية والتهذيب الشخصي، بدلًا من الاقتصار

كتاب "تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين" للإمام أبي القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الراغب الأصفهاني وكتابه عمل فلسفي

قراءة نقدية لكتاب "الطب الروحاني" للمؤلف الحافظ عبد الرحمن ابن الجوزي (المتوفى عام 597هـ)، من خلال تناول النقاط

Scroll to Top