احدث الإشعارات

الإيمان بالله تعالى وأثره في تحصيل الأمن النفسي.

إن الإيمان بالله الطريق الأقوم والأوحد لتحقيق الأمن النفسي في هذه الحياة، ومهما ذهب الإنسان في دروبها باحثا عن الأمن النفسي فسعيه إلى زوال واضمحلال فلا أمن بلا إيمان

المقدمة:

     الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد، خير من أثنى على الله واتقاه، صلى الله عليه وآله وصحبه والتابعين وبعد:

فقد درج الناس على تبجيل ذوي الخِلال الحميدة، والثناء عليهم، ونسبة كل جميل لهم، واجتناب ما يحمل معنى التنقُّص لهم، والمنصفون منهم يَنْسَوْنَ ما صدر عنهم من أفعال قد تُفَسَّرُ خطأً في عين البعض؛ لأنها في أعينهم جديرة أن تذوب في بحار حسناتهم. فيرون أنهم أحق بكل جميل، إذ تعَّرفوا عليهم معرفةً تجعلهم يقومون معهم مقام القسط في المعاملة، والثناء الدائم عليهم؛ لأنهم في أعينهم يستحقون ذلك. هذا ديدن المقسطين والعقلاء من بني آدم، وهو العدل الذي أمر به الله، والذي جعله ميزانًا ضابطًا بين عباده.

ولله المَثَلُ الأعلى، فقد خلقنا بقدرته بعد أن كنا عدمًا، وربَّانَا بِبِرِّهِ وإحسانِهِ، وأكرمنا وفضَّلنا على كثيرٍ ممن خلق تفضيلًا. وازداد إحسانه لنا حين عَرَّفَنَا عليه، بما ذكره من أسمائه الحسنى وصفاته العلا والتي جاءت مبثوثةً في كتابه الكريم من أوله إلى منتهاه: تارةً تأتي تُذَيَّلُ الآيات بذكر حكمت ومغفرته ورحمته وعلوِّه، وتارةً أخرى مُبَيِّنَةً كماله واستحقاقه بكل مَثَلٍ أعلى، الذي حاشا وكلا أن يماثله فيه أحد لأنه تعالى﴿لَیۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَیۡءࣱ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ﴾[الشورى: 11].

فقد فَقِهَ أولوا النُّهى والألبابِ ما لربهم من كمالات، تَرَفَّعَ بها عن سائر خلقه، فباتوا يتعرفون عليها، محاولين إحصاءها؛ لترتوي قلوبهم الظمأى، علَّها تنيب وتسجد لله سجدة لا ترفع منها إلا بين يديه. بيد أنهم خضعوا مُقرِّين ومعترفين أن أحدًا لن يبلغ الثناء اللائق بكمالاته، حتى رسوله صلى الله عليه وسلم -وهو خير من عبده واتقاه- ومع ذلك يقول: «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» [رواه مسلم].

 

إن معرفة الله تعالى هي الطريق الموصل إلى الإيمان به، الإيمان الذي له حلاوة وطعم يُذاقُ بالقلوب كما تذاق حلاوة الطعام والشراب بالفم. لكن هذه الحلاوة لا يدركها إلا من امتلأ صدره بها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا»(1)()

إن الإيمان بالله طريق الأمن، وهداية القلوب الحائرة من ظلمات الشك والتيه. فأثره على العبد يكمن في(2)()

  1. رفع مستوى اليقين: اليقين بالتصورات الأساسية، والحقائق الكونية، والراحة من القلق والشك.
  2. ما يتعلق بالمشاعر الإيمانية: مقدار ما يثور في قلبك من محبة الله سبحانه وتعالى، الشعور بقرب الله سبحانه وتعالى وخشيته. 
  3. يورث السكينة من جهة  التصورات العليا: سكينة التصورات العليا واليقين والإيمان بالقضاء والقدر.
  4. الروحانيات والعبادة: سكينة العلاقة مع الله سبحانه وتعالى، حلاوة الإيمان.

لقد جاء لفظ “الأمن” ومشتقاته في ثمانية وأربعين(3)() موضعًا من كتاب الله تعالى، منها تسعة وعشرون موضعًا في ثمانِ سور مكية، وتسعة عشر موضعًا في ست عشرة سورة مدنية. ومن تلك الألفاظ:

  1. الطمأنينة: وتعني الهدوء وسكون النفس، وعدم القلق. وقد عرّفها ابن القيم بقوله: الطمأنينة سكون القلب إلى الشيء وعدم اضطرابه وقلقه، وعرفها ابن عاشور: بأنه الدعة وهدوء البال.
  2. صلاح البال: راحة الفكر والخاطر، وجعل قلوبهم في أمن وطمأنينة. وصلاح البال يعني استقرار القلب وطمأنينة النفس، والبعد عن القلق والاضطراب في المشاعر والأحوال. ويتضح هذا من تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَصۡلَحَ بَالَهُمۡ﴾[الأحقاف: 13]. وهي نعمةٌ عظمى لا يحسُّ بها إلا من وهبه الله تعالى إياها، فإن خزائن الأرض لا تنفع صاحبها إذا كان مشتت القلب، ممزق النفس، مضطرب المشاعر والأحوال. أما الذي ينفعه فهو راحة البال، وطمأنينة النفس، ورضا القلب، والشعور بالأمان والسلام.

إن الإيمان انشراحٌ ويُسرٌ وطمأنينةٌ، به ينتقل الإنسان من ظلمة الروح وموت القلب وتيه الفكر وحيرة الخاطر، إلى استثارة الروح وحياة القلب ورشد الفكر وطمأنينة الخاطر، وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله تعالى: ﴿أَوَمَن كَانَ مَیۡتا فَأَحۡیَیۡنَـٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورًا یَمۡشِی بِهِۦ فِی ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِی ٱلظُّلُمَـٰتِ لَیۡسَ بِخَارِجࣲ مِّنۡهَاۚ﴾[الأنعام: ١٢٢]. فما أن يسري نور الإيمان في القلوب حتى يجد الإنسان الوضاءة في خواطره ومشاعره وملامحه! ويجد الراحة في باله وحاله ومآله! ويجد الطمأنينة والسكينة في نفسه وقلبه وروحه.

إن الإيمان(4)() بالله وحسن علاقة العبد به إذا تحسَّنت، تتغير في حياته أشياء كثيرة منها: نظرته للحياة، خشيته ومحبته لله تعالى، وتعظيمه والشوق إلى لقائه.

إن الإيمان بالله جل وعلا طوقُ النجاة الذي أنعم به الله على خلقه؛ لأنه سبحانه يحب أن يرحمهم، ويريد معافاتهم من التخبط في الحياة لاهثين ملتمسين الأمن والطمأنينة والسكينة في أسباب واهية، ﴿وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُیُوتِ لَبَیۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ﴾[العنكبوت: ٤١].

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في سؤال الله الإيمان في أحلك المواقف، مُثنيًا عليه، خاضعًا له. ومن ذلك ما ورد: لمَّا كانَ يومُ أُحُدٍ انْكَفأَ المُشْرِكونَ، قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «اسْتَوُوا حتَّى أُثْنيَ على ربِّي عزَّ وجلَّ»، فصارُوا خَلفَه صُفوفًا، قالَ: «اللَّهمَّ لكَ الحَمدُ كلُّه، اللَّهمَّ لا قابِضَ لمَا بسَطْتَ، ولا باسِطَ لمَا قبَضْتَ، ولا هاديَ لمَن أضلَلْتَ، ولا مُضِلَّ لمَن هدَيْتَ، ولا مُعْطيَ لمَا منَعْتَ، ولا مانعَ لمَا أعطَيْتَ، ولا مُقرِّبَ لمَا بعَّدْتَ، ولا مُباعِدَ لما قرَّبْتَ، اللَّهمَّ ابسُطْ علينا من بَرَكاتِكَ ورَحمتِكَ وفَضلِكَ ورِزقِكَ، اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ النَّعيمَ المُقيمَ الَّذي لا يَحولُ ولا يَزولُ ، اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ الأمْنَ يومَ الخَوفِ، اللَّهمَّ عائذٌ من شرِّ ما أعْطَيْتَنا، وشرِّ ما منَعْتَنا، اللَّهمَّ حبِّبْ إلينا الإيمانَ وزَيِّنْه في قُلوبِنا، وكَرِّهْ إلينا الكُفرَ والفُسوقَ والعِصْيانَ واجعَلْنا منَ الرَّاشِدينَ، اللَّهمَّ توَفَّنا مُسلِمينَ، وأحْيِنا مُسلِمينَ، وألْحِقْنا بالصَّالِحينَ غَيرَ خَزايا ولا مَفْتونينَ، اللَّهمَّ قاتِلِ الكَفَرةَ الَّذين يُكذِّبونَ رُسلَكَ، ويَصُدُّونَ عن سَبيلِكَ، واجعَلْ عليهم رِجزَكَ وعَذابَكَ إلَهَ الحقِّ آمينَ»()

والحمد لله أولا وآخرا

 


 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. رواه مسلم من حديث العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه.
  2. بودكاست سكينة الحلقة 5| البناء النفسي. مع د. خالد بن حمد الجابر
  3. الأمن النفسي، أهميته أسبابه في ضوء آيات القرآن الكريم، حشمت مفتي عبدالراضي، حولية كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالإسكندرية، المجلد (9)، العدد (33).
  4. بودكاست سكينة الحلقة 9| كيف ننجح علاقاتنا؟ مع د. خالد بن حمد الجابر.
  5.  أخرجه أحمد والنسائي والطبراني من حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه.
المشاركة:

اترك تعليقاً

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً

ملخص سريع

إن الإيمان بالله الطريق الأقوم والأوحد لتحقيق الأمن النفسي في هذه الحياة، ومهما ذهب الإنسان في دروبها باحثا عن الأمن النفسي فسعيه إلى زوال واضمحلال فلا أمن بلا إيمان

إسهامات الكاتب الأخرى

الصبر خير مطية يبحر بها المسلم في رحلة الحياة الدنيا، يواجه به معاركها وأزماتها، إنه يجعل المرء دائما

إن الله تعالى صدقنا حقيقة الدنيا وحقيقة عيشنا فيها وأننا فيها في كبد، ومن وفقه الله لفهم هذا

استكشف المجالات والشعارات

موضوعات ذات صلة

إن الإيمان بالله الطريق الأقوم والأوحد لتحقيق الأمن النفسي في هذه الحياة، ومهما ذهب الإنسان في دروبها باحثا

إن الإيمان بالله الطريق الأقوم والأوحد لتحقيق الأمن النفسي في هذه الحياة، ومهما ذهب الإنسان في دروبها باحثا

إن الإيمان بالله الطريق الأقوم والأوحد لتحقيق الأمن النفسي في هذه الحياة، ومهما ذهب الإنسان في دروبها باحثا

مقالات ذات صلة

إن الإيمان بالله الطريق الأقوم والأوحد لتحقيق الأمن النفسي في هذه الحياة، ومهما ذهب الإنسان في دروبها باحثا

إن غياب علم نفس إسلامي متكامل ليس نتيجة لعدم وجود أسس فكرية، بل هو انعكاس لوهم عدم الحاجة

لو نظرنا إلى سورة الفاتحة من هذه الزاوية، لوجدناها تشكِّل معينًا حياتيًا يوميًا للإنسان، ليبقى قلبه حيًا بمعاني

حين تعصف الأزماتُ بالقلوب، ويشتدّ الموجُ في بحر الحياة، لا تكون النجاة إلا في سفينة اليقين، وشراع السكينة،

الصبر خير مطية يبحر بها المسلم في رحلة الحياة الدنيا، يواجه به معاركها وأزماتها، إنه يجعل المرء دائما

تشعر العديد من الأمهات بالتقصير نظرًا لعظمة الدور الذي يقمن به، وهذا الشعور في حد ذاته دليل على

Scroll to Top