احدث الإشعارات

سر السكينة النفسية في عالمٍ مليء بالتوتر.

لقد أصبحت السكينة النفسية كنزًا نادرًا في عالمٍ تسارعت فيه إيقاعات الحياة، وغزت فيه التكنولوجيا كلَّ تفاصيلنا. فترى المرء يركض بين أعماله وواجباته، وإذا ما وجد لحظة فراغ، أمسك هاتفه ليلج عالمًا افتراضيًا مليئًا بالضوضاء والسموم، فيغرق في بحرٍ من الأخبار المحزنة، والمقاطع المضحكة، والألعاب المثيرة للتوتر، حتى يجد نفسه في نهاية اليوم منهكًا، مشتّتًا، محمَّلًا بأعباءٍ من المشاعر المتضاربة والأفكار المتزاحمة. إنها فوضى عارمة تعصف بسلامه الداخلي، وتسرق منه هدوءه وسكينته.

خلق اللهُ عزَّ وجلَّ الإنسانَ ليكونَ عبدًا له، كما قال في محكم كتابه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. ومن عظيم فضله ومنّته أن جعل للعبادات أثرًا لا يقتصر على الثواب الأخروي العظيم، بل يمتد ليشمل فوائد آنية تُلمس في الحياة الدنيا، فتكون عونًا للمؤمن وسندًا له في مشقات الحياة. فالمؤمن يجد في العبادة سكينةً تملأ قلبه، وطمأنينةً تُهدئ روحه، خاصةً في زمننا هذا الذي تكاثرت فيه الضغوط وتشعّبت فيه الهموم.

لقد أصبحت السكينة النفسية كنزًا نادرًا في عالمٍ تسارعت فيه إيقاعات الحياة، وغزت فيه التكنولوجيا كلَّ تفاصيلنا. فترى المرء يركض بين أعماله وواجباته، وإذا ما وجد لحظة فراغ، أمسك هاتفه ليلج عالمًا افتراضيًا مليئًا بالضوضاء والسموم، فيغرق في بحرٍ من الأخبار المحزنة، والمقاطع المضحكة، والألعاب المثيرة للتوتر، حتى يجد نفسه في نهاية اليوم منهكًا، مشتّتًا، محمَّلًا بأعباءٍ من المشاعر المتضاربة والأفكار المتزاحمة. إنها فوضى عارمة تعصف بسلامه الداخلي، وتسرق منه هدوءه وسكينته.

لذا، حان الوقت لوقفةٍ صادقةٍ مع الذات… وقفة نتساءل فيها: لماذا ننفق أعمارنا فيما لا ينفع؟! وكيف نترك طاقاتنا تتبدّد دون فائدة؟!
لابد من عودةٍ إلى النفس، إلى العبادات، إلى تلك الصلة التي تربطنا بخالقنا. فهل نؤديها كما ينبغي؟ وهل نعطيها حقها من الخشوع والتأمل؟

إن السرَّ الحقيقيَّ للسكينة النفسية يكمن في أداء العبادات بقلبٍ حاضر، ونيةٍ صافية. فالله سبحانه لم يشرّع العبادات فقط لنجني ثواب الآخرة، بل جعلها سبيلًا لراحة القلب في الدنيا أيضًا. فالصلاة، والذكر، والتسبيح، والدعاء، كلها طرقٌ تؤدي إلى السكينة النفسية، وتساعدنا على مواجهة ضغوط الحياة، وتخفّف من وطأة القلق والتوتر، بل وتصلح سلوكنا وتضبط انفعالاتنا، فتتحقق السعادة الحقيقية التي تنبع من الإيمان.

وهنا يبرز سؤالٌ مهم: ما الذي يميّز العبادات الإسلامية عن الممارسات الأخرى كاليوغا وتمارين الطاقة؟
الجواب ببساطة: أن عبادتنا خالصةٌ لوجه الله تعالى، لا تنفصل عن الإيمان به، ولا يمكن أن تتحوّل إلى مجرد رياضةٍ روحيةٍ بلا روح. فعبادتنا ليست مجرد حركاتٍ وأقوال، بل هي اتصالٌ بالخالق، وخضوعٌ لإرادته، واستشعارٌ لعظمته.

وقد أشار الدكتور خالد في سلسلته القيّمة “العبادة والنفس” إلى كيفية استفادة النفس من العبادات، وذكر عدّة مكوّناتٍ أساسية لتحقيق الفائدة النفسية منها، وهي:

  • التهيئة النفسية والمحل القابل وصلاح الخارج: كما قال الله تعالى في سورة ق: ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.
  •  وقد شرح ابن القيم – رحمه الله – في كتابه الفوائد شروط الانتفاع بالقرآن، قائلًا: “إذا أردتَ الانتفاع بالقرآن، فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وألقِ سمعك، واحضرْ حضورَ مَن يخاطبه به مَن تكلم به سبحانه منه إليه”. فالانتفاع بالقرآن يحتاج إلى قلبٍ حاضر، وسمعٍ مصغٍ، وحضورٍ كاملٍ مع كلام الله.
  • الكثافة التعبّدية وطول الصحبة: فالتنوع في العبادات، والزيادة في كمّها مع الحفاظ على جودتها، يساعدان على تعميق الحالة الروحانية وتمديدها.
  • طريقة أداء العبادات: كما قال النبي ﷺ: “صلّوا كما رأيتموني أُصلّي”. فالأداء الصحيح للعبادات هو مفتاح الفائدة.
  • حضور القلب وطرد الهواجس: فالعبادة بلا خشوعٍ كجسدٍ بلا روح.
  • تحصيل المشاعر الإيمانية: كالخوف، والرجاء، والمحبة، والرهبة، التي تملأ القلب بالإيمان.
  • التدبر وفهم المعاني الإيمانية: فكل كلمةٍ في القرآن، وكل حركةٍ في الصلاة، تحمل معانيَ عميقةً تحتاج إلى تأمل.

ولكن الطريق إلى تحصيل السكينة النفسية من العبادات ليس سهلًا، بل يحتاج إلى جهادٍ للنفس، ومراقبةٍ دائمة، ومحاسبةٍ مستمرة، كما قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69].

 وقال النبي ﷺ: “والمجاهد مَن جاهد نفسه في طاعة الله” (رواه أحمد والترمذي).

وكما قال الشاعر:

والنفسُ كالطفلِ إنْ تَهمِلْهُ شبَّ على … حبِّ الرضاعِ وإنْ تفطِمْهُ ينفطِمِ

فالنفس تحتاج إلى تربيةٍ وتدريب، وإلا استسلمت للأهواء والشهوات. فلنحاسب أنفسنا، ولنراقب قلوبنا، ولنعاهد الله على أن نكون من الذاكرين الشاكرين.

 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سلسة العبادة والنفس.

المشاركة:

اترك تعليقاً

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً

ملخص سريع

لقد أصبحت السكينة النفسية كنزًا نادرًا في عالمٍ تسارعت فيه إيقاعات الحياة، وغزت فيه التكنولوجيا كلَّ تفاصيلنا. فترى المرء يركض بين أعماله وواجباته، وإذا ما وجد لحظة فراغ، أمسك هاتفه ليلج عالمًا افتراضيًا مليئًا بالضوضاء والسموم، فيغرق في بحرٍ من الأخبار المحزنة، والمقاطع المضحكة، والألعاب المثيرة للتوتر، حتى يجد نفسه في نهاية اليوم منهكًا، مشتّتًا، محمَّلًا بأعباءٍ من المشاعر المتضاربة والأفكار المتزاحمة. إنها فوضى عارمة تعصف بسلامه الداخلي، وتسرق منه هدوءه وسكينته.

إسهامات الكاتب الأخرى

استكشف المجالات والشعارات

موضوعات ذات صلة

لقد أصبحت السكينة النفسية كنزًا نادرًا في عالمٍ تسارعت فيه إيقاعات الحياة، وغزت فيه التكنولوجيا كلَّ تفاصيلنا. فترى

لقد أصبحت السكينة النفسية كنزًا نادرًا في عالمٍ تسارعت فيه إيقاعات الحياة، وغزت فيه التكنولوجيا كلَّ تفاصيلنا. فترى

لقد أصبحت السكينة النفسية كنزًا نادرًا في عالمٍ تسارعت فيه إيقاعات الحياة، وغزت فيه التكنولوجيا كلَّ تفاصيلنا. فترى

مقالات ذات صلة

المقال يسلط الضوء على الاختزالية في علم النفس الغربي ويستعرض البديل الإسلامي كنموذج شامل ومتكامل لفهم النفس البشرية.

المقال يستعرض التكامل بين النفس والعقل والقلب والروح في المنظور الإسلامي، مقدمًا رؤية شمولية للإنسان مقارنة بالفلسفة الغربية

ما من إنسان ولد في هذه الدنيا إلا ويتعرض لأمور تستدعي الصبر عليها أو تستدعي الصبر عنها؛ غير

لقد قدر الله تعالى رحمة منه بعبده وإحسانا إليه أن يجعل عمره في هذه الحياة ذا أطوار متعددة،

يناقش المقال سؤال طرحه الدكتور خالد: هل علم النفس الغربي يدرس النفس فعلا؟ ويبين كيف أن هذا العلم

إن الطريق إلى الله تعالى يحتاج إلى زاد ومعين حتى يتحصل على سكينة النفس وسكون الروح والحياة الطيبة،

Scroll to Top