احدث الإشعارات

الوضوء قبل الوِرد: تهيئة نفسية.

ولو تأملنا في كثيرٍ من أنشطة حياتنا، لوجدنا أن هناك دائمًا نوعًا من التهيئة القَبْلية المناسبة لكل موقف. فعندما أذهب إلى العمل، أتهيأ بلباسٍ يُشعرني بالمهنية والجدية، وعند الذهاب إلى النادي الرياضي أو في نزهةٍ مع الأولاد، أختار ما يناسب النشاط والحركة -ضمن ضوابط الشرع-. فلِمَ أستغرب أو أستثقل أن يكون من التهيئة للمس المصحف أن أقوم وأتوضأ؟

تعلمتُ منذ بضع سنوات الحكمَ الشرعي بأنَّه يَحرُم مسّ المصحف من غير وضوء.
في البداية، ورغم شعوري الداخلي بشيءٍ من التثاقل عند قيامي للوضوء في كل مرةٍ أود فيها قراءة وردي، إلّا أني لم أجرؤ يومًا على مخالفة الحكم بعد علمي به.

وذات يوم، وضع الله في طريقي مقطعًا لإحدى الإعلاميات، يبدو أنها كانت تحاول التملق لأحد المتنفذين. كانت تتحدث بانبهارٍ تام، ومن ضمن ما قالت: “أنا عندما أعلم أنه سيوجه خطابًا عبر التلفاز، أرتدي أحسن ما عندي، بل إني أقوم وأتوضأ قبل أن أفتح التلفاز لمتابعة كلماته”.

صدقًا، شعرتُ بقشعريرة لا أنساها. وعلى الفور، أحسستُ أنني أذوب خجلًا من نفسي بسبب ذلك التثاقل للوضوء قبل لمس كتابٍ يحتوي كلمات خالقي، وخالق هذا الكون، وخالق من كان قبلي ومن سيأتي بعدي إلى يوم الدين.

منذ ذلك اليوم، أصبحتُ أتوضأ بكل همةٍ وإتقانٍ وإسباغٍ قبل كلِّ قراءةٍ للقرآن، وأعتقد أن الأهم من ذلك هو أنني أرغب بمشاركتكم ما هو آتٍ… كيف نَمَت ونضجت علاقتي بالقرآن منذ ذلك الوقت وحتى اليوم؟

من فضل الله، كان القرآن دائمًا رفيق دربي، لكن منذ أن التزمتُ بذلك الحكم حبًّا وامتثالًا، بدأت علاقتي به مرحلةً جديدة. ها أنا ذا أقرأ نفس الآيات التي مررتُ بها مئات المرات طوال السنوات السابقة، لكنني اليوم أجد في نفسي أحوالًا نفسيةً ومشاعر قلبيةً أعمق، فأشعر بخشوعٍ وسكينةٍ وهيبةٍ لم أختبرها من قبل. بل يفتح الله عليّ بفوائد ومعانٍ تُثبّتني في مُعترك الحياة، لم أدركها من قبل.

ولو تأملنا في كثيرٍ من أنشطة حياتنا، لوجدنا أن هناك دائمًا نوعًا من التهيئة القَبْلية المناسبة لكل موقف.
فعندما أذهب إلى العمل، أتهيأ بلباسٍ يُشعرني بالمهنية والجدية، وعند الذهاب إلى النادي الرياضي أو في نزهةٍ مع الأولاد، أختار ما يناسب النشاط والحركة -ضمن ضوابط الشرع-.
فلِمَ أستغرب أو أستثقل أن يكون من التهيئة للمس المصحف أن أقوم وأتوضأ؟
وهو فعلٌ يضعني في الجو النفسي الملائم لتلقي جرعةٍ وجدانيةٍ تصفي روحي، وتنقي نفسي، وتعيد ضبط معاييري، فتجعلني أراجع سلوكي وخياراتي في يومي. كلمات الله تنقي نفسي تمامًا، كما يزيل ماء الوضوء غبارَ اليوم عن وجهي وجسدي.

وأقتبس بالمعنى من د. خالد الجابر -كما ورد في بودكاست العبادة والسكينة-:
إذا أردنا الحصول على الفوائد النفسية المرجوة من العبادات -بعد تحقيق العبودية والامتثال لشرع الله وهو الهدف الأعلى-، فهناك بعض الشروط أو الأركان المصاحبة لأدائها.
من هذه الشروط:

  1. طريقة الأداء، بحيث يصاحبها الطمأنينة.
  2. الكثافة التعبدية، أي الزيادة في الكمّ، وهو ما يُعرف بـ طول الصحبة.
  3. الحضور القلبي.
  4. التهيئة النفسية وصلاح الظاهر، وهو ما أقصده في هذا السياق؛ إذ كما علّم النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابة أن يمشوا إلى الصلاة بهدوءٍ ووقارٍ، فإن الوضوء قبل قراءة الوِرد يُعدّ تهيئةً نفسيةً تليق بالاستعداد لتلقي وتلاوة كلمات الله عز وجل.

وأختم قائلة: العبادات توقيفية، لم يُمنح بشرٌ صلاحية الإضافة إليها أو الإنقاص منها، وأؤمن بأنها قد شُرعت بما يُصلِحنا تمامًا: شكلًا، وشروطًا، وضوابطًا، وتكرارًا.
نسأل الله حسن العبادة والامتثال، ونسأله الثبات والإخلاص والقبول.

المشاركة:

اترك تعليقاً

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً

ملخص سريع

ولو تأملنا في كثيرٍ من أنشطة حياتنا، لوجدنا أن هناك دائمًا نوعًا من التهيئة القَبْلية المناسبة لكل موقف. فعندما أذهب إلى العمل، أتهيأ بلباسٍ يُشعرني بالمهنية والجدية، وعند الذهاب إلى النادي الرياضي أو في نزهةٍ مع الأولاد، أختار ما يناسب النشاط والحركة -ضمن ضوابط الشرع-. فلِمَ أستغرب أو أستثقل أن يكون من التهيئة للمس المصحف أن أقوم وأتوضأ؟

إسهامات الكاتب الأخرى

استكشف المجالات والشعارات

موضوعات ذات صلة

ولو تأملنا في كثيرٍ من أنشطة حياتنا، لوجدنا أن هناك دائمًا نوعًا من التهيئة القَبْلية المناسبة لكل موقف.

ولو تأملنا في كثيرٍ من أنشطة حياتنا، لوجدنا أن هناك دائمًا نوعًا من التهيئة القَبْلية المناسبة لكل موقف.

ولو تأملنا في كثيرٍ من أنشطة حياتنا، لوجدنا أن هناك دائمًا نوعًا من التهيئة القَبْلية المناسبة لكل موقف.

مقالات ذات صلة

المقال يسلط الضوء على الاختزالية في علم النفس الغربي ويستعرض البديل الإسلامي كنموذج شامل ومتكامل لفهم النفس البشرية.

المقال يستعرض التكامل بين النفس والعقل والقلب والروح في المنظور الإسلامي، مقدمًا رؤية شمولية للإنسان مقارنة بالفلسفة الغربية

ما من إنسان ولد في هذه الدنيا إلا ويتعرض لأمور تستدعي الصبر عليها أو تستدعي الصبر عنها؛ غير

لقد قدر الله تعالى رحمة منه بعبده وإحسانا إليه أن يجعل عمره في هذه الحياة ذا أطوار متعددة،

يناقش المقال سؤال طرحه الدكتور خالد: هل علم النفس الغربي يدرس النفس فعلا؟ ويبين كيف أن هذا العلم

إن الطريق إلى الله تعالى يحتاج إلى زاد ومعين حتى يتحصل على سكينة النفس وسكون الروح والحياة الطيبة،

Scroll to Top