الصبر من الأمور التي لا يمكن العيش بدونها، وكلما جاهد الإنسان نفسه في محاولات توطينها عليه، كلما وجد ثمرة ذلك في صحته النفسية بإذن الله.
الصبر هو: حبس النفس، وهو ثلاثة أنواع: صبرٌ على الطاعات والفضائل، وصبرٌ عن المعاصي، وصبرٌ على الأقدار، ومنها الأزمات والشدائد.
الصبر قد لا يغير شيئًا في الخارج؛ فهو لا يحل الأزمة ولا يهدف لحلها، وإنما يهدف إلى تحسين النفسية أثناء المرور بها. ويُعدّ من أهم العوامل التي تُقوي بناء الإنسان مع الوقت.(1)
القاعدة هنا أنك تستطيع أن تكون مطمئنًا من الداخل، بغض النظر عن الخارج. فسبحان الله! الإسلام يضيف معاني للأشياء لا تكون موجودة إلا فيه.(2)
دائمًا ما يُعرَف عن الصبر أنه مؤلم، مُرّ، شاق، صعب؛
فهل يمكن أن يكون للصبر لذّة؟
نعم ـ إن صحّ التعبير ـ ولكنها للمسلم؛ ففي قول الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ﴾ [سورة البقرة، الآية 153] استشعار لمعية الله لك، وفي ﴿وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ﴾ [سورة آل عمران، الآية 146] استشعار لحب الله لك.
ومن أجمل ما في الصبر: النظر في عواقب ومآلات الأمور، لا حصر الرؤية في الأحداث الحالية فقط.
وهنا يتبادر للذهن سؤال: كيف يمكن أن يصبر الإنسان؟
أولًا: بأن يذكر الإنسان نفسه دائمًا بما يعينه على الصبر، ومنها ما سبق ذكره من استشعار معية الله وحبّه للصابرين، والنظر في مآلات الأمور، وأن الصابرين يوفون أجورهم بغير حساب.
فمهما كان في الدنيا من ألم، فإنما هي دنيا، وإنما نحن أيام منها، ولن نأخذ منها إلا ما قدمنا فيها بعد رحمة الله بنا. نسأل الله أن يرحمنا برحمته التي وسعت كل شيء.
ثانيًا: توطين النفس على الصبر، وفيها أن يدرب الإنسان نفسه على الصبر في شؤونه اليومية، وخاصةً في أوقات الرخاء. فكما يدرب الإنسان جسده على الرياضة، كذلك حال القلب يحتاج تدريب ومجاهدة على الصبر ليقوى بإذن الله.
ومن أمثلة ذلك:
- كثرة الصيام ففيه حبس للنفس عن بعض ما تحب.
- والصمت عن كثرة الخوض فيما لا ينفع.
- والصبر في ردود الأفعال وخاصة عند الغضب.
- أن أعطي لنفسي فرصة لأعقل ما أريد قوله قبل التحدث
وغير ذلك كثير مما يُعين على التدرّب على الصبر.
وهذا يفسر لنا لماذا المنظور الإسلامي لعلم النفس يؤكد كثيرًا على عدم الإسراف، وعدم التعلق بالأشياء وبالدنيا عمومًا؛ فإنك وقت الأزمات، إن لم يكن لديك بناء نفسي قوي، وجدت نفسك هشًّا ضعيفًا.(3)
ثالثًا: التبصر بالنفس والصدق معها، بأن يعرف الشخص ما يَسهُل عليه الصبر فيه، وما يصعب، ثم يُدوّن ذلك ليحاول معرفة الأسباب، والعمل على علاجها تدريجيًا.
رابعًا: مفهوم التصبر وتقمصه، وهو أن يُدرّب الإنسان نفسه على أن يتصرف كما يتصرف الصابرون، فيُجاهد نفسه ليكون باطنه كظاهره، وهذا يحتاج إلى دعاء، وتأنٍّ، وترويح عن النفس، خصوصًا في بداية الطريق.(4)
خامسًا: حياة القلب وتزكية النفس، فهي الزاد الذي يعين على مشاق الطريق: “مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه، كمثل الحي والميت.”(5)
ومنها: النظر للنعم واستشعارها في حياتنا، وكثرة ذكر الله، والاستغفار، وقراءة القرآن وتدبره، وحفظ القلب عن ما يضعفه، وأن الدنيا لاتصفو لأحدٍ وأنه لابد من وجود ألم فيها وأنها دار اختبار وليست هي المستقر.(6)
وأن نعلم أنه لا حول ولا قوة لنا إلا بالله، وأن الاستعانة تكون لله، ثم بعد ذلك السعي في الأخذ بالأسباب، وأن تعلم أنها كلها بأمر الله فلا تنفع إلا بإذنه.
سادسًا: غِنى النفس بالله، لعلها تندرج تحت نقطة تزكية النفس ولكنها حقيقة من أعظم ما يعين على الصبر؛ ففيها التخفف من يثقل القلب بالتعلق بالدنيا وأن نستغنى بالله عما سواه. “نزداد همًا كلما ازددنا غِنى، الفقر كل الفقر في الإكثار”.(7)
واعلم أن من حُسن الفطنة ألا يصبر الإنسان على أمور ليس للصبر عليها جدوى؛ كأن تصبر على أن تنتظر من نفسك أن تكون خارقًا، تنجح في كل شيء، لا يفوتك شيء، لا تخطئ، لا تقع في عثرات الطريق! فيضيع عمرك فيما قد يؤذيك بدلًا من أن ينفعك.
وهذا لا ينافي مجاهدة النفس؛ فالإنسان، مهما كان في نفسه خير، ومهما بلغ، سيظل يجاهد نفسه وهواه والشيطان مادام حيًّا. فهذا إيمان بمحدودية الإنسان، وأنه يضعف أحيانًا ويتعثر أحيانًا. فالإنسان يتقلب بين الصبر والضعف، ثم المبادرة للتوبة والاستغفار، واستئناف المحاولات من جديد.
وأخيرًا، أعلم أنه من يركن إلى نفسه يعش ضعيفًا ذليلًا لها، لا يقوى على مجاهدة نفسه ولا الصبر.
أما من كان ركنه إلى الله، عاش عزيزًا بالله، مستغنيًا به عمن سواه.
الحمد لله الذي جعل الظلمات والنور.
المراجع:
- بودكاست سكينة الحلقة 3 | الصبر والرضا مع د. خالد بن حمد الجابر
- المرجع السابق، منقول بتصريف.
- بودكاست سكينة الحلقة 3 | الصبر والرضا مع د. خالد بن حمد الجابر
- المرجع السابق، منقول بتصريف.
- حديث شريف أخرجه البخاري (6407)، ومسلم (779).
- كتاب تزكية النفوس د. أحمد فريد، منقول بتصريف.
- من قصيدة لأبي الحسن التهامي.